وأَطَالَ البُخَارِي رحمه الله فِي كتَابِ
الإِيمَانِ عَلَى أنَّ الأَعمَالَ مِن حَقِيقَةِ الإِيمَانِ؛ رَدًّا علَى
المُرجِئَةِ بِطَوَائِفِهم، الذِينَ يَفصِلُون العمَلَ عَن الإِيمَانِ،
وَيَقُولُون: العمَلُ شَيءٌ والإِيمَانُ شَيءٌ آخَر. العمَلُ عِندَهم إمَّا
مُكَمِّلٌ، وإمَّا شَرطٌ - شَرطُ كمَالٍ، أَو شَرطُ وُجُوبٍ-، وَكُلُّ هَذِه
الأَقوَالِ لاَ حقِيقَةَ لَهَا؛ لأنَّ الأَعمَالَ مِن حَقِيقَةِ الإِيمَانِ.
فتَارةً
يُعبِّرُ عَن الإِيمَانِ بِالعمَلِ؛ كمَا يَأتِي فِي تَفسِير قَولِه تعالى: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ
لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ﴾
[البقرة: 143]؛ أيْ: صَلاَتَكُم إلَى بَيتِ المَقدِسِ قَبلَ نَسخِ القِبلَةِ ([1])،
فَدلَّ علَى أنَّ الصَّلاةَ إِيمَانٌ، وَهِي عَملٌ، فَهَذا دَليلٌ عَلَى أنَّ
الأَعمَالَ مِن حَقِيقَةِ الإِيمَانِ، وَمَن لَيسَ عِندَه عمَلٌ، لَيسَ عِندَه
إِيمَانٌ، إلاَّ إذَا كَانَ لَم يَتَمكَّنْ مِن العمَلِ، إذَا دَخَلَ فِي
الإِسلاَمِ عَن يَقِينٍ وَعَن اعتِقَادٍ صَحِيحٍ، وَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَين، ثمَّ
قُتِلَ أَو مَاتَ قَبلَ أنْ يَتَمكَّنَ مِن العمَلِ، فَهَذَا مُؤمِنٌ يَدخُلُ
الجنّةَ، وَلَم يَعمَلْ؛ لأنَّه لَم يَتَمَكّنْ مِن العمَلِ، مَا صَارَ عِندَه
فُرصَة بَعدَ إِسلاَمِه لِلعمَلِ.
***
([1]) أخرجه: البخاري رقم (4486).
الصفحة 3 / 190