حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ، عَنِ المَعْرُورِ أنه قَالَ:
لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ
حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً
فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا
ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ،
إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ
أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا
يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ
فَأَعِينُوهُمْ» ([1]).
****
هَذَا أبُو ذَرٍّ الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ رضي
الله عنه الصَّحَابِيّ الجَليلُ العَابدُ الزّاهِدُ رضي الله عنه، كَانَ فِي آخِرِ
حَيَاتِه يَعِيشُ فِي الرَّبذَةِ، وهِي بَرِيّةٌ تَبعُدُ عَن المَدِينَةِ ثَلاثَ
مَرَاحِلَ جِهةَ الشَّرقِ، وَهِي الحِمَى الّذِي حَمَاهُ عُمَرُ رضي الله عنه
لِدَوابِّ الصَّدَقَةِ؛ الشَّرَفُ والرَّبذَةُ.
فأَبُو
ذَرٍّ رضي الله عنه خرَجَ إلَى الرَّبْذَة؛ يَتفرَّغُ لِلعبَادَةِ، وَيَبتَعِدُ
عَن النّاسِ، حتَّى مَاتَ رضي الله عنه، ودُفِنَ فِي الرَّبْذَة، وَرَآه رَجُلٌ،
وَعَليهِ حُلّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِه - أيْ: مَملُوكُه - حُلّةٌ مِثلُها، عَلَيه
حُلّةٌ مِثلَ مَا عَلَى السَّيّدِ، وهُو أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه، تَعجَّب
الرّجُلُ كَيفَ يَكُونُ المَملُوكُ مِثلَ المَالِكِ فِي الّلبَاسِ؟! والحُلّةُ
هِي: الثَّوبُ، قِيلَ: إنَّها لاَ تَكونُ حُلّةً، إلاَّ إذَا كَانَت مِن ثَوبَينِ؛
يَعنِي: إِزَارٌ وَرِدَاءُ، هَذِه الحُلّةُ، وَقَد تُطلَقُ الحُلّةُ عَلَى
الّلبَاسِ الوَاحِدِ؛ كَأنْ تَكونَ رِدَاءً فَقَطْ أَو إِزَارًا فَقَطْ، ولَكِنَّ
الأَصلَ أنَّها مِن ثَوبَينِ؛ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ.
لَيْسَ هَذا يَعنِينَا، الّذِي يَعنِينَا أنَّ الغُلاَمَ المَملوكَ صَارَ مِثلَ السَّيدِ فِي الّلبَاسِ، تَعَجَّبَ الرَّجُلُ، فَسَأَلَ أَبَا ذَرٍّ رضي الله عنه: لِمَاذَا؟ فَقَالَ لَه:
([1]) أخرجه: البخاري رقم (30)، ومسلم رقم (1661).