×
شرح كتاب الإيمان من الجامع الصحيح

«إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ»؛ يَعنِي: رَجلٌ مِن المُسلِمِين صَارَ بَينَه وَبَينَه شَيءٌ مِن سُوءِ التَّفَاهُمِ - مِثلَمَا يَجرِي بَيْنَ النّاسِ-، فَقَالَ لَه أبُو ذَرٍّ رضي الله عنه - أبُو ذَرٍّ مِن غِفَارٍ قَبِيلةٌ مَعرُوفَةٌ - قَالَ لِهَذاَ الرَّجُلِ وكَانَ أَسوَدَ الّلوْنِ: «يَا ابْنَ السَّودَاءِ»، فَقَالَ لَه النّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟» يُنكِرُ عَلَيه صلى الله عليه وسلم، «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»؛ يَعنِي: مِن خِصَالِ الجَاهِلِيّةِ الّذِين يَطعَنُونَ فِي أَنسَابِ النّاسِ، وَالوَاجِبُ عَلَى المُسلِمِين أنْ يُكرِمُوا إِخوَانَهم فِي الإِسلاَمِ، وألاَّ يَتَنَقَّصُوهُم، أَو يَتَنَقَّصُوا أَنسَابَهم، وأَمَّا إذَا تَنَقَّصَه، فَهَذَا مِن خِصَالِ الجَاهِلِيّةِ.

قَولُه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»؛ أيْ: فِيكَ خَصلَةٌ مِن خِصَالِ الجَاهِلِيّةِ، فَدلَّ عَلَى أنَّ المُسلِمَ - وإنْ كَانَ فَاضِلاً تَقِيًّا - قَد يَكُونُ فِيهِ خَصلَةٌ مِن خِصَالِ الجَاهِلِيّةِ؛ مِثلُ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه.

فَدلَّ عَلَى أنَّ الخَصلَةَ مِن خِصَالِ الجَاهِلِيّةِ لاَ تَقتَضِي الكُفرَ المُخرِجَ مِن المِلّةِ، كَذَلِك الكبَائِرُ الّتِي دُونَ الشِّركِ لاَ تُخرجُ مِن المِلّةِ، إلاَّ عَلَى مَذْهَبِ الخَوَارِجِ - والعَيَاذُ بِاللهِ-، الذين يُكفِّرون المُسلِمِين بِالكبَائِرِ الّتِي دُونَ الشِّركِ.

الحَدِيثُ وَاضحٌ فِي أنَّ مَن كَانَ فِيهِ خَصلَةٌ مِن خِصَالِ الجَاهِليّةِ لاَ تُخرِجُه عَن الإِسلاَمِ، وَلاَ تَسلُبُ فَضلَه الّذِي عِندَه، بَل يكُونُ هَذَا نَقصٌ لاَ يَضُرُّ إِيمَانَه، أَو يُنزِّلُ مِن قَدرِه وَفَضلِه كَأَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، وهَذَا رَدٌّ وَاضِحٌ عَلَى الخَوَارِجِ.

فَدلَّ عَلَى أنّه لاَ يَجُوزُ التَّعيِيرُ بِالنَّسَبِ، وَأنّ هذَا مِن خِصَالِ الجَاهِليّةِ، وَدلَّ عَلى أنَّ مَن كَانَ - وهَذَا مَقصُودُ المُؤلِّفِ رحمه الله -


الشرح