أنَّ مَن كَانَ عِندَه خَصلةٌ مِن خِصَالِ
الجَاهِليةِ لاَ يَخرُجُ مِن الإِسلاَمِ؛ كَمَا تَقُولُ الخَوَارِجِ.
وَدلَّ
عَلَى تَواضُعِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه مَعَ مَملُوكِه؛ حَيثُ إنَّه سَاوَاه فِي
المَلبَسِ، أَلبَسَه مِثلَ مَا يَلبَسُ، وذَلِك بَعدَ الوَاقِعةِ الّتِي حَصَلَت
لَه مَعَ أَخِيهِ الّذِي سَبَّه، فَحِينَئذٍ أبُو ذَرٍّ رضي الله عنه تَدَارَك؛
فَلَم يَتَنَقَّصْ هَذَا المَملُوكَ، بَل سَاوَاه بِه فِي الّلبَاسِ؛ لأِنّ
الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم عَابَ عَلَيه فِي الأَوّلِ قَولَه لأَِخِيهِ: «يَا ابْنَ السَّودَاءِ»، فسَاوَاهُ،
وَلَم يَتَنَقَّصْهُ.
وَذَكَر
الحَدِيثُ: أنَّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ عَن المَمَالِيكِ
مُخَاطبًا المَالِكِين وَالسَّادَةَ: «إِخْوَانُكُمْ
خَوَلُكُمْ»؛ أيْ: خَدَمُكم إِخوَانُكُم، وَكَونُه خِادِمًا لَكَ لاَ يَسلُبُه
أنّه أخٌ لَكَ - أيضًا - فِي الإِسلاَمِ؛ فَلاَ تَتَنقَّصُه، وَلاَ تَهضِمُه
شَيئًا مِن حَقِّه عَلَى أنّه خَادِمٌ، بَل تُعامَلُه مُعَامَلَةَ المُسلِمِ.
«إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ،
جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ»؛ أيْ:
مَلَّكَكم إيَّاهُم، «فَمَنْ كَانَ
أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا
يَلْبَسُ»، وَلاَ يُكلِّفُه مِن العمَلِ مَا لاَ يُطِيقُ، «فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ»،
أَعِينُوهُم عَلَى هَذَا الأَمرِ، وَلاَ تَترُكُوه يَثقُلُ علَيهِم، فَهَذا فِيه
المُوَاسَاةُ بَيْنَ المَالِكِ والمَملُوكِ، وَفِيه مَنعُ تَكبُّرِ؛ فَلاَ
يَتكَبَّر المَالِكُ عَلَى مَملُوكِه، وَلاَ يَتكبَّر عَلَى إِخوَانِه
المُسلِمِين.
وَأَخَذَ
مِن قَولِه صلى الله عليه وسلم: «وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ» أنَّه أَلبَسَه مِثلَ لِبَاسِه؛
امْتِثَالاً لأَِمرِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.
***
الصفحة 6 / 190