وهَذَا لَم يُشَرِّعْه اللهُ سبحانه وتعالى،
إنَّما هُو مِن تَغيِيرَاتِ هَذَا اليَهُودِيّ، الّذِي قَبِلُوا مِنهُ
تَغيِيرَاتِه، الصَّلِيبَ - أيضًا - هُو الّذِي أَحدَثَه، هَذَا اليَهُودِيُّ هُو
الّذِي أَحدَثَ عِبَادةَ الصَّلِيبِ، وَقَبِلُوها مِنهُ لِغَبَاوَتِهم.
قَالَ
رضي الله عنه: «فَلَمَّا
وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ البَيْتِ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ»؛ يَعنِي: اليَهُودُ
لمَّا وَلَّى صلى الله عليه وسلم وَجهَهُ قِبَلَ البَيتِ لأَِمرِ اللهِ، أَنكَرُوا
ذَلِك؛ لأِنَّهم يُرِيدُون أنْ يَستَمِرَّ عَلَى بَيتِ المَقدِسِ؛ لأِنَّهم
أَصحَابُ أَهوَاءٍ، مَا يَقُولُونَ: هَذَا أَمرُ اللهِ، وَنَحنُ نَدُورُ مَعَ
أَمرِ اللهِ. بَل يَتعَصَّبُون لمَا هُم عَلَيه - حَقًّا كَانَ، أَو بَاطِلاً-،
هَذَا شَأنُ اليَهُودِ.
قَالَ
رحمه الله: «قَالَ
زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ فِي حَدِيثِهِ هَذَا:
أَنَّهُ مَاتَ عَلَى القِبْلَةِ - قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ - رِجَالٌ وَقُتِلُوا»،
هَذَا مَحَلُّ قَولِه تعَالى: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ﴾ [البقرة: 143]، هَذَا فِي الّذِين مَاتُوا وَهُم
يَستَقبِلُون بَيتَ المَقدِسِ.
قال
رحمه الله: «فَلَمْ
نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ»؛ يَعنِي: هَل هُم عَلَى حَقٍّ، أَو عَلَى غَيرِ
حَقٍّ؟ مَاتُوا عَلَى استِقبَالِ بَيتِ المَقدِسِ، اللهُ جل وعلا طَمْأَنَهم.
قَالَ
رحمه الله: «فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ
لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ﴾ [البقرة: 143] »؛ أيْ: صَلاَتكُم إلَى بَيتِ
المَقدِسِ؛ لأنَّها بِأمرِ اللهِ وَطاعَةً للهِ عز وجل، فَالعمَلُ بِالشيءِ قَبلَ
أنْ يُنسَخَ طَاعةً للهِ، أمَّا إذَا نُسِخَ، فَالطّاعَةُ تكُونُ بِالعمَلِ
بِالنَّاسِخِ وَتَركِ المَنسُوخِ.
***
الصفحة 6 / 190