قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْن تَيْمِيَّة رحمه الله:
«وَهُمْ خَاضِعُونَ مستسلمون، قَانِتُونَ مُضْطَرُّونَ؛ مِنْ وُجُوهٍ:
مِنْهَا: عِلْمُهُمْ بِحَاجَتِهِمْ
وَضَرُورَتِهِمْ إِلَيْهِ.
وَمِنْهَا: خُضُوعُهُمْ
وَاِسْتِسْلاَمُهُمْ لمَا يَجْرِي عَلَيْهمْ مِنْ أَقْدَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ.
وَمِنْهَا:
دُعَاؤُهُمْ إِيَّاهُ عِنْدَ الاِضْطِرَارِ.
وَالمُؤمنُ يَخْضَعُ لأَِمْرِ رَبّه طَوْعًا، وَكَذَلِكَ
لمَا يُقَدِّرُهُ عَلَيْهِ مِن المَصَائِبِ؛ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ عنْدَهَا مَا أمرَ
بِهِ مِن الصَّبْرِ وَغَيْرِه طَوْعًا، فَهُوَ مُسْلِمٌ لِلهِ طَوْعًا، خَاضِعٌ
لَهُ طَوْعًا»، وَالكَافِرُ يَخْضَعُ لأَِمْرِ رَبّه الكَوْنِيِّ، وَسُجُودُ
الكَائِنَاتِ المَقْصُودُ بِهِ: الخُضُوعُ، وَسُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ؛
سُجُودٌ يُنَاسِبُهُ وَيَتَضَمَّنُ الخُضُوع لِلرَّبِّ، وَتَسْبِيحُ كُلِّ شَيْءٍ
بِحَسَبِهِ حَقِيقَةً لاَ مجازًا.
وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْن تَيْمِيَّة رحمه الله؛
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ
مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ﴾ [آل عِمرَان: 83]؛ قَالَ: «فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ
إِسْلاَم الكَائِنَاتِ طَوْعًا وَكرها؛ لأَِنَّ المَخْلُوقَاتِ جَمِيعَهَا
مُتَعَبِّدَةٌ لَهُ التعبد التامّ؛ سَوَاء أَقَرَّ المقرُّ بِذَلِكَ أَوْ
أَنْكَرَهُ، وَهُمْ مَدِينُونَ لَهُ مُدَبَّرُونَ، فَهُمْ مُسْلِمُونَ لَهُ
طَوْعًا وَكُرْهًا، وَلَيْسَ لأَِحَدٍ مِن المَخْلُوقَاتِ خُرُوجٌ عَمَّا شَاءَهُ
وَقَدره وَقضَاه، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِهِ، وَهُوَ رَبُّ
العَالَمِينَ وَمَلِيكُهُمْ؛ يصرِّفُهُمْ كَيْفَ يَشَاءُ، وَهُوَ خَالِقُهُمْ
كُلِّهِمْ، وبارئهم وَمُصَوِّرُهُمْ، وَكُلُّ مَا سوَاهُ فَهُوَ مربوب مَصْنُوعٌ،
مفطور، فَقِيرٌ، مُحْتَاجٌ، معبدٌ، مَقْهُورٌ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ الوَاحِدُ
القَهَّارُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ».
***
الصفحة 2 / 188