الفَصْلُ التَّاسِعُ
النَّظْرَةُ الْمَادِّيَّةُ لِلْحَيَاةِ،
وَمَفَاسِدُ هَذِهِ النَّظْرَةِ
****
هُنَاك نَظرَتَانِ لِلْحَيَاةِ:
نَظْرَة مَادِّيَّة، وَنَظْرَة صَحِيحَة، وَلِكُلّ مِنَ النَّظرَتَيْنِ آثَارهَا:
·
فَالنَّظْرَةُ
الْمَادِّيَّةُ لِلْحَيَاةِ:
مَعْنَاهَا أَنْ يَكُونَ تَفْكِيرُ الإِْنْسانِ
مَقْصُورًا عَلَى تَحْصِيل مَلَذَّاتِهِ الْعَاجِلَةِ، وَيَكُونَ عَمَلُهُ
مَحْصُورا فِي نِطَاقِ ذَلِكَ، فَلاَ يَتَجَاوَزُ تَفْكِيرُهُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ
مِنَ العَوَاقِبِ، وَلاَ يَعْمَلُ لَهُ، وَلاَ يَهْتَمُّ بِشَأْنِهِ، وَلاَ
يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ جَعَلَ هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيا مَزْرَعَةً لِلآْخِرَةِ،
فَجَعَلَ الدُّنْيا دَارَ عَمَلٍ، وَجَعَلَ الآخِرَةَ دَارَ جَزَاءٍ، فَمنِ
اسْتَغلَّ دُنْياهُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، ربحَ الدَّارَيْنِ، وَمنْ ضَيَّعَ
دُنْيَاهُ، ضَاعَتْ آخِرَتُهُ؛ ﴿خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ
ٱلۡمُبِينُ﴾ [الحَجّ: 11].
فَاللهُ تعَالَى لَمْ يَخْلُقْ هَذِهِ الدُّنْيا
عَبَثًا؛ بَلْ خَلقَهَا لِحِكْمَةٍ عَظِيمَةٍ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ
أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ﴾
[المُلك: 2]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِينَةٗ لَّهَا
لِنَبۡلُوَهُمۡ أَيُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗا﴾
[الكهف: 7].
أَوْجَدَ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ مِنَ الْمُتَعِ الْعَاجِلَةِ، وَالزِّينَة الظّاهِرَةِ مِنَ الأَْمْوَالِ وَالأَولادِ، وَالْجَاهِ وَالسُّلْطَانِ، وَسَائِرِ المُسْتَلَذَّاتِ-: مَا لاَ يَعْلَمُهُ إلَّا اللهُ: فَمِنَ النَّاسِ -وَهُمُ الأَكْثَرُ- مَنْ قَصَرَ نَظَرَهُ عَلَى ظاهِرِهَا وَمَفَاتِنِهَا، وَمَتّعَ نَفْسَهُ بِهَا، وَلَمْ يَتَأمَّلْ فِي سِرِّهَا، فَانْشَغَلَ بِتَحْصِيلِهَا وَجَمْعِهَا والتَّمَتُّعِ بِهَا عَنِ العَمَلِ لِمَا بَعْدَهَا؛ بَلْ رُبَّمَا أَنْكَرَ أَنْ
الصفحة 1 / 188