الفَصْلُ الثَّالِثُ
فِي التَّشْرِيعِ
****
التَّشْرِيعُ حَقٌّ للهِ تَعَالَى: وَالمُرَادُ
بِالتَّشْرِيعِ: مَا يُنَزِّلُهُ اللهُ لِعِبَادِهِ مِنَ
المَنْهَج الَّذِي يَسِيرُونَ عَلَيْهِ فِي العَقَائِدِ وَالمُعَامَلاَتِ وَغَيْرِهَا؛
وَمِنْ ذَلِكَ: التَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ؛ فَلَيْسَ لأَِحَدٍ أَنْ يُحِلَّ
إِلاَّ مَا أَحَلَّهُ اللهُ، وَلاَ يُحَرِّمَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ اللهُ؛ قَالَ
تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ
هَٰذَا حَلَٰلٞ وَهَٰذَا حَرَامٞ لِّتَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ﴾ [النّحل: 116]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قُلۡ
أَرَءَيۡتُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُم مِّن رِّزۡقٖ فَجَعَلۡتُم مِّنۡهُ حَرَامٗا
وَحَلَٰلٗا قُلۡ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمۡۖ أَمۡ عَلَى ٱللَّهِ تَفۡتَرُونَ﴾ [يُونس: 59].
فَقَدْ نَهَى اللهُ عَن التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ
بِلاَ دَلِيلٍ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ
الكَذِبِ عَلَى اللهِ، كَمَا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ شَيْئًا،
أَوْ حَرَّمَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ شَرِيكًا لله
فِيمَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ، وهُوَ التَّشْرِيعُ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ
مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ﴾
[الشّورى: 21].
وَمَنْ أَطَاعَ هَذَا المُشَرِّعَ مِنْ دُونِ اللهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ بذَلِكَ، وَوَافَقَهُ عَلَى فِعْلِهِ، فَقَدْ أَشْرَكَهُ مَعَ اللهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ﴾ [الأنعَام: 121]؛ يَعني: الَّذِين يُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ مِنَ المَيْتَاتِ؛ مَنْ أَطَاعَهُمْ فِي ذَلِكَ، فهُوَ مُشْرِكٌ، كَمَا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ فِي تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ اللهُ، وَتَحْرِيمِ مَا أَحَلَّهُ اللهُ - فَقَد اتَّخَذَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن
الصفحة 1 / 188