الفَصلُ الخَامِسُ
بَيَانُ
حَقِيقَةِ كُلٍّ مِنَ الجَاهِلِيَّةِ - وَالفِسْقِ - وَالضَّلاَلِ –
وَالرّدَّةِ: أَقْسَامُهَا وَأَحْكَامُهَا
****
·
الجَاهِلِيَّةُ:
هِيَ الحَالُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا العَرَبُ قَبْلَ
الإِسْلاَمِ؛ مِنَ الجَهْلِ بِاللهِ، وَرُسُلِهِ، وَشَرَائِعِ الدّينِ، وَالمُفَاخَرَةِ
بِالأَنْسَابِ، وَالكِبْرِ وَالتَّجَبُّرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ نِسْبَةً إِلَى
الجَهْلِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ العِلْمِ، أَوْ عَدَمُ اتّبَاعِ العِلْمِ؛ قَالَ
شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: «فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمِ الحَقَّ،
فَهُوَ جَاهِلٌ جَهْلاً بَسِيطًا، فَإِنِ اعْتَقَدَ خِلاَفَهُ، فَهُوَ جَاهِلٌ
جَهْلاً مُرَكَّبًا، فَإِنْ قَالَ خِلاَفَ الحَقّ -عَالِمًا بِالحَقّ، أَوْ غَيْرَ
عَالِمٍ-: فَهُوَ جَاهِلٌ أَيْضًا؛ فَإِذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ، فَالنَّاسُ قَبْلَ
بَعْثِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا فِي جَاهِلِيَّةٍ مَنْسُوبَةٍ إِلَى
الجَهْلِ؛ فَإِنَّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ، إِنَّمَا
أَحْدَثَهُ لَهُمْ جَاهِلٌ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ جَاهِلٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا
يُخَالِفُ مَا جَاءَ بِهِ المُرْسَلُونَ -مِنْ يَهُودِيَّةٍ وَنَصْرَانِيَّةٍ-
فَهُوَ جَاهِلِيَّةٌ، وَتِلْكَ كَانَتِ الجاهِلِيَّةَ العَامَّةَ.
فَأَمَّا بَعْدَ بَعْثِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدْ تَكُونُ فِي مِصْرٍ دُونَ مِصْرٍ؛ كَمَا هِيَ فِي دَارِ الكُفَّارِ، وَقَدْ تَكُونُ فِي شخْصٍ دُونَ شَخْصٍ؛ كَالرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ؛ فَإِنَّهُ فِي جَاهِلِيَّةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ، فَأَمَّا فِي زَمَانٍ مُطْلَقٍ، فَلاَ جَاهِلِيَّةَ بَعْدَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؛ فَإِنَّهُ لاَ تَزَالُ مِنْ أُمَّتِهِ طَائِفَةٌ ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقّ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَالجَاهِلِيَّةُ المُقَيَّدَةُ قَدْ تُوجَدُ فِي بَعْضِ دِيَارِ المُسْلِمِينَ، وَفِي كَثِيرٍ منَ الأَشْخَاصِ المُسْلِمِينَ؛
الصفحة 1 / 188