×
عقيدة التوحيد

 الفَصْلُ الخَامِسُ

 فِي بَيَانِ مَفَاهِيمَ خَاطِئَةٍ فِي تَحْدِيدِ العِبَادَةِ

****

العِبَادَاتُ تَوْقِيِفِيَّةٌ، بِمَعنى: أَنَّهُ لاَ يُشْرَعُ شَيْء مِنْهَا إِلاَ بدَلِيلٍ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمَا لَمْ يُشْرَعْ، فهُوَ بِدْعَةٌ مَرْدُودَةٌ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ» ([1])؛ أَيْ: مَرْدُودٌ عَلَيْهِ عَمَلُهُ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ، بَلْ يَأْثَمُ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ مَعْصِيَةٌ ولَيْسَ طَاعَةً.

ثُمَّ إِنَّ المَنْهَج السَّلِيمَ فِي أَدَاءِ العِبَادَاتِ المَشْرُوعَةِ هُوَ: الاِعْتِدَالُ بَيْنَ التَّسَاهلِ وَالتَّكَاسُلِ، وَبَيْنَ التَّشَدُّدِ وَالغُلُوِّ؛ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ [هُود: 112] فهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ فِيهَا رَسْمٌ لِخُطَّةِ المَنْهَج السَّلِيمِ فِي فِعْلِ العِبَادَاتِ؛ وَذَلِكَ بِالاِسْتِقَامَةِ فِي فِعْلِهَا عَلَى الطَّرِيقِ المُعْتَدِلِ؛ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِفْرَاطٌ وَلاَ تَفْرِيطٌ؛ حَسَبَ الشَّرْعِ؛﴿كَمَآ أُمِرۡتَ [هُود: 112]، ثُمَّ أكد ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ [هُود: 112]، وَالطُّغْيَانُ: مُجَاوَزَةُ الحَدِّ؛ بِالتَّشَدُّدِ وَالتَّنَطُّعِ، وَهُوَ الغُلُوُّ. وَلَمَّا عَلِمَ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ ثَلاَثَةً مِنْ أَصْحَابِهِ تَقَالُّوا أَعْمَالَهُ؛ حَيْثُ قَالَ أَحَدُهُمْ: أَنَا أَصُومُ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ الآخَرُ: أَنَا أُصَلِّي وَلاَ أَرْقُدُ، وَقَالَ الثَّالِثُ: أَنَا لاَ أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» ([2]).


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري، رقم (2550)، ومسلم، رقم (1718).

([2])  أخرجه: البخاري، رقم (4776)، ومسلم، رقم (1401).