×
عقيدة التوحيد

 الفَصْلُ السَّادِسُ

 فِي بَيَانِ رَكَائِزِ العُبُودِيَّةِ الصَّحِيحَةِ

****

إِنَّ العِبَادَةَ تَرْتَكِزُ عَلَى ثَلاَثِ رَكَائِزَ؛ هِيَ: الحُبُّ، وَالخَوْفُ، وَالرَّجَاءُ:

فَالحُبُّ مَعَ الذُّلِّ، وَالخَوْفُ مَعَ الرَّجَاءِ، لاَ بُدَّ فِي العِبَادَةِ مِنِ اجْتِمَاعِ هَذِهِ الأُمُورِ؛ قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ: ﴿يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ [المَائدة: 54]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ [البَقَرَة: 165].

وَقَالَ -فِي وَصْفِ رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ-: ﴿إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ [الأنبيَاء: 90].

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: «مَنْ عَبَدَ اللهَ بِالحُبِّ وَحْدَهُ، فَهُوَ زِنْدِيقٌ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالرَّجَاءِ وَحْدَهُ، فَهُوَ مُرْجِئٌ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالخَوْفِ وَحْدَهُ، فَهُوَ حَرُورِيٌّ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالحُبِّ وَالخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُوَحِّدٌ»؛ ذَكَرَ هَذَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ رحمه الله فِي رِسَالَةِ «العُبُودِيَّةِ»، وَقَالَ أَيْضًا: «فَدِينُ اللهِ: عِبَادَتُهُ وَطَاعَتُهُ وَالخُضُوعُ لَهُ، وَالعِبَادَةُ أَصْلُ مَعناهَا: الذُّلُّ أَيْضًا؛ يُقَالُ: طَرِيقٌ مُعَبَّدٌ: إِذَا كَانَ مُذَلَّلاً قَدْ وَطِئَتْهُ الأَقْدَامُ، لَكِنَّ العِبَادَةَ المَأْمُورَ بِهَا تَتَضَمَّنُ مَعنى الذُّلِّ، وَمَعنى الحُبِّ، فَهِيَ تَتَضَمَّنُ غَايَةَ الذُّلِّ للهِ تَعَالَى، بِغَايَةِ المَحَبَّةِ لَهُ، وَمَنْ خَضَعَ لِإِنْسَانٍ مَعَ بُغْضِهِ لَهُ، لاَ يَكُونُ عَابِدًا لَهُ، وَلَوْ أَحَبَّ شَيْئًا وَلَمْ يَخْضَعْ لَهُ، لَمْ يَكُنْ عَابِدًا لَهُ؛ كَمَا يُحِبُّ الرَّجُلُ وَلَدَهُ وَصَدِيقَةُ؛ وَلِهَذَا لاَ يَكْفِي أَحَدُهُمَا فِي عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ اللهُ أَحَبَّ إِلَى العَبْدِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنْ يَكُونَ اللهُ أَعْظَمَ عنْدَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، بَلْ لاَ يَسْتَحِقُّ المَحَبَّةَ وَالذُّلَّ التَّامَّ إِلاَّ اللهُ...» انْتَهَى.


الشرح