الفَصْلُ الرَّابِعُ
فِي بَيَانِ مَنْهَج القُرْآنِ فِي إِثْبَات
وَجُودِ الخَالِقِ وَوَحْدَانِيَّته
****
مَنْهَجُ القُرْآنِ فِي إِثْبَات وِجُودِ الخَالِقِ
وَوَحْدَانِيَّتِهِ هُوَ المَنْهَجُ الَّذِي يَتَمَشَّى مَعَ الفِطَرِ
المُسْتَقِيمَةِ، وَالعُقُول السَّلِيمَة؛ وَذَلِكَ بِإِقَامَةِ البَرَاهِينِ
الصَّحِيحَةِ الَّتِي تَقْتَنِعُ بِهَا العُقُولُ، وَتسلّمُ بِهَا الخُصُومُ؛
وَمِنْ ذَلِكَ:
·
مِنْ
المَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الحَادِثَ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ مُحدِثٍ:
هَذِهِ قَضِيَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ مَعْلُومَةٌ
بِالفِطْرَةِ؛ حَتَّى لِلصِّبْيَانِ؛ فَإِنَّ الصَّبِيَّ لَوْ ضَربهُ ضَارِبٌ،
وَهُوَ غَافِلٌ لاَ يبْصرُهُ، لَقَالَ: مَنْ ضَرَبَنِي؟ فَلَوْ قِيلَ لَهُ: لَمْ
يَضْرِبْك أَحَدٌ؛ لَمْ يقْبلْ عَقْلُهُ أَنْ تَكُونَ الضَّرْبَة حَدَثَتْ مِنْ
غَيْرِ مُحدثٍ، فَإِذَا قِيلَ: فُلاَنٌ ضَربكَ، بَكَى حَتَّى يَضْرِب ضَاربَهُ؛
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَمۡ خُلِقُواْ مِنۡ غَيۡرِ شَيۡءٍ أَمۡ هُمُ ٱلۡخَٰلِقُونَ﴾ [الطُّور: 35].
وَهَذَا تَقْسِيمٌ حَاصر، ذَكَرَهُ اللهُ بِصِيغَةِ
اِسْتِفْهَام إِنْكَارِي؛ لِيُبَيِّنَ أَنَّ هَذِهِ المُقَدّمَات مَعْلُومَةٌ
بِالضَّرُورَةِ، لاَ يُمْكِنُ جَحْدُهَا؛ يَقُولُ: ﴿أَمۡ خُلِقُواْ مِنۡ غَيۡرِ شَيۡءٍ﴾ [الطُّور: 35]؛ أَيْ: مِنْ غَيْرِ خَالِقِ خلقهم، أَمْ
هُمْ خَلَقُوا أَنفسَهُمْ؟! وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ بَاطِلٌ؛ فَتَعَيَّنَ أَنَّ
لَهُمْ خَالِقًا خَلقهُمْ؛ وَهُوَ اللهُ سُبْحَانَهُ، لَيْسَ هُنَاكَ خَالِقٌ
غَيْره؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿هَٰذَا خَلۡقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ
مِن دُونِهِۦۚ﴾ [لقمَان: 11].. ﴿أَرُونِي مَاذَا
خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ﴾
[الأحقاف: 4].
﴿أَمۡ جَعَلُواْ
لِلَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلۡقِهِۦ فَتَشَٰبَهَ ٱلۡخَلۡقُ عَلَيۡهِمۡۚ قُلِ
ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُوَ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّٰرُ﴾ [الرّعد: 16]،﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن
يَخۡلُقُواْ ذُبَابٗا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُواْ لَهُۥۖ﴾
[الحَجّ: 73].
الصفحة 1 / 188