الفَصْلُ الثَّالِثُ
فِي
بَيَانِ الاِنْحِرَافِ عَنْ العَقِيدَةِ، وَسُبُلِ تَوَقِّيهِ
****
الاِنْحِرَافُ عَنْ العَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ مَهْلَكَةٌ
وَضَيَاعٌ؛ لأَِنَّ العَقِيدَةَ الصَّحِيحَة هِيَ الدَّافِعُ القَوِيُّ إِلَى
العَمَلِ النَّافِع، وَالفَرْدُ بِلاَ عَقِيدَةٍ صَحِيحَةٍ، يَكُونُ فَرِيسَةً
لِلأَوْهَامِ وَالشُّكُوكِ، الَّتِي رُبَّمَا تَتَراكَمُ عَلَيْه، فَتَحْجُبُ
عَنْهُ الرُّؤْيَةَ الصَّحِيحَة لِدُرُوبِ الحَيَاةِ السَّعِيدَةِ؛ حَتَّى تَضِيقَ
عَلَيْهِ حَيَاتُهُ، ثُمَّ يُحَاوِلُ التَّخَلُّصَ مِنْ هَذَا الضِّيقِ
بِإِنْهَاءِ حَيَاتِهِ وَلَوْ بِالاِنْتِحَارِ، كَمَا هُوَ الوَاقِعُ مِنْ كَثِيرٍ
مِنَ الأَفْرَادِ الَّذِينَ فَقَدوا هِدَايَةَ العَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ.
وَالمُجْتَمَعُ الَّذِي لاَ تَسُودُهُ عَقِيدَةٌ
صَحِيحَةٌ هُوَ مُجْتَمَعٌ بَهِيمِيٌّ يَفْقد كُلَّ مُقَومَاتِ الحَيَاةِ
السَّعِيدَةِ؛ وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ الكَثِيرَ مِنْ مُقَومَاتِ الحَيَاةِ
المَادِّيَّةِ الَّتِي كَثِيرًا مَا تَقُودُهُ إِلَى الدَّمَارِ، كَمَا هُوَ
مُشَاهَدٌ فِي المُجْتَمَعَاتِ الكَافِرَةِ؛ لأَِنَّ هَذِهِ المُقَومَاتِ
المَادِّيَّةَ تَحْتَاجُ إِلَى تَوْجِيهٍ وَتَرْشِيدٍ؛ لِلاِسْتِفَادَةِ مِنْ
خَصَائِصِهَا وَمَنَافِعِهَا، وَلاَ مُوَجِّهَ لَهَا سِوَى العَقِيدَةِ
الصَّحِيحَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ
صَٰلِحًاۖ﴾ [المؤمنون: 51].
وقَالَ تَعَالَى: ﴿۞وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلٗاۖ يَٰجِبَالُ
أَوِّبِي مَعَهُۥ وَٱلطَّيۡرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ ١٠أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰتٖ
وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِۖ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ
١١وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ
عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ
وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ ١٢يَعۡمَلُونَ
لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ
رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ
١٣﴾[سَبَإ: 10-13].
الصفحة 1 / 188