فَقُوَّةُ العَقِيدَةِ يَجِبُ أَلاَّ تَنْفَكَّ عَن
القُوَّةِ المَادِّيَّةِ؛ فَإِنِ انْفَكَّتْ عَنْهَا بِالاِنْحِرَافِ إِلَى
العَقَائِدِ البَاطِلَةِ، صَارَتِ القُوَّةُ المَادِّيَّةُ وَسِيلَةَ دَمَارٍ
وَانْحِدَارٍ؛ كَمَا هُوَ المُشَاهَدُ اليَوْمَ فِي الدُّوَلِ الكَافِرَةِ الَّتِي
تَمْلِكُ مَادَّةً، وَلاَ تَمْلِكُ عَقِيدَةً صَحِيحَةً.
وَالاِنْحِرَافُ عَن العَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ لَهُ
أَسْبَابٌ تَجِبُ مَعْرِفَتُهَا؛ مِنْ أَهَمِّهَا:
* الجَهْلُ بِالعَقِيدَةِ
الصَّحِيحَةِ؛ بِسَبَبِ الإِعْرَاضِ عَنْ تَعَلُّمِهَا وَتَعْلِيمِهَا، أَوْ
قِلَّةِ الاِهْتِمَامِ والعنايَةِ بِهَا؛ حَتَّى يَنْشَأَ جِيلٌ لاَ يَعْرِفُ
تِلْكَ العَقِيدَةَ، وَلاَ يَعْرِفُ مَا يُخَالِفُهَا وَيُضَادُّهَا؛ فَيَعْتَقِدُ
الحَقَّ بَاطِلاً، وَالبَاطِلَ حَقًا، كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي
الله عنه: «إِنَّمَا تُنْقَضُ عُرَا
الإِسْلاَمِ عُرْوَةً عُرْوَةً؛ إِذَا نَشَأَ فِي الإِسْلاَمِ مَنْ لاَ يَعْرِفُ
الجَاهلِيَّةَ» ([1]).
* التَّعَصُّبُ لِمَا عَلَيْهِ
الآبَاءُ وَالأَجْدَادُ، وَالتَّمَسُّكُ بِهِ وَإِنْ كَانَ بَاطِلاً، وَتَرْكُ مَا
خَالَفَهُ وَإِنْ كَانَ حَقًا؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ
قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ
ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡٔٗا وَلَايَهۡتَدُونَ﴾
[البَقَرَة: 170].
* التَّقْلِيدُ الأَعْمَى؛ بِأَخْذِ
أَقْوَالِ النَّاسِ فِي العَقِيدَةِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ دَلِيلهَا،
وَمَعْرِفَةِ مَدَى صِحَّتِهَا، كَمَا هُوَ الوَاقِعُ مِنَ الفِرَقِ المُخَالِفَةِ؛
مِنْ جَهْمِيَّةٍ وَمُعْتَزِلَةٍ، وَأَشَاعِرَةٍ وَصُوفِيَّةٍ، وَغَيْرِهِمْ،
حَيْثُ قَلَّدُوا مَنْ قَبْلَهُم مِنْ أَئِمَّة الضَّلاَلِ؛ فَضَلُّوا
وَانْحَرَفُوا عَن الاِعْتِقَادِ الصَّحِيحِ.
* الغُلُوُّ فِي الأَوليَاءِ وَالصَّالِحينَ، وَرَفْعُهُمْ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِمْ؛ بِحَيْثُ يُعْتَقَدُ فِيهِمْ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلاَّ اللهُ؛ مِنْ جَلْبِ النَّفْعِ، وَدَفْع الضُّرِّ،
([1]) أخرجه: الحاكم في «المستدرك» رقم (8318) بنحوه.