وَهُنَاكَ الآنَ فِئَتَانِ مِنَ النَّاسِ عَلَى طَرَفَيْ
نَقِيضٍ فِي أَمْرِ العِبَادَةِ:
الفِئَةُ الأولى: قَصَّرَتْ
فِي مَفْهُوَمِ العِبَادَةِ، وَتَسَاهلَتْ فِي أَدَائِهَا، حَتَّى عَطَّلَتْ
كَثِيرًا مِنْ أَنْوَاعِهَا، وَقَصَرَتْهَا عَلَى أَعْمَالٍ مَحْدُودَةٍ،
وَشَعَائِرَ قَلِيلَةٍ تُؤَدَّى فِي المَسْجِدِ فَقَطْ، وَلاَ مَجَالَ
لِلْعِبَادَةِ فِي البَيْتِ، وَلاَ فِي المَكْتَبِ، وَلاَ فِي المَتْجَرِ، وَلاَ
فِي الشَّارعِ، وَلاَ فِي المُعَامَلاَتِ، وَلاَ فِي السِّيَاسَةِ، وَلاَ الحُكْمِ
فِي المُنَازَعَاتِ، وَلاَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شُئُونِ الحَيَاةِ.
نَعَمْ، لِلْمَسْجِدِ فَضْلٌ، وَيَجِبُ أَنْ تُؤَدَّى
فِيهِ الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَلَكِنَّ العِبَادَة تَشْمَلُ كُلَّ حَيَاةِ
المُسْلِمِ؛ دَاخِلَ المَسْجِدِ وَخَارِجَهُ.
وَالفِئَةُ الثَّانِيةُ: تَشَدَّدَتْ
فِي تَطْبِيقِ العِبَادَاتِ إِلَى حَدِّ التَّطَرُّفِ؛ فَرَفَعَتِ
المُسْتَحَبَّاتِ إِلَى مَرْتَبَةِ الوَاجِبَاتِ، وَحَرَّمَتْ بَعْضَ
المُبَاحَاتِ، وَحَكَمَتْ بِالتَّضْلِيلِ أَوْ التَّخْطِئَةِ عَلَى مَنْ خَالَفَ
مَنْهَجهَا، وَخَطَّأَ مَفَاهِيمَهَا.
وَخَيْرُ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم،
وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا.
***
الصفحة 2 / 188