قَبُولِ دَعْوَتِهِ، وَأَصَرُّوا عَلَى
عِبَادَةِ تِلْكَ الصُّورِ المَنْصُوبَةِ الَّتِي تَحَوّلَتْ إِلَى أَوْثَانٍ؛ ﴿وَقَالُواْ لَا
تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ
وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا﴾ [نُوح:
23]؛ وَهَذِهِ أَسْمَاءُ الرِّجَالِ الَّذِينَ صُوِّرَتْ لَهُمْ تِلْكَ الصُّوَرُ
عَلَى أَشْكَالِهِمْ؛ إِحْيَاءً لِذِكْرَيَاتِهِمْ، وَتَعْظِيماً لَهُمْ.
فَانْظُرْ مَا آلَ إِلَيهِ الأَمْرُ بِسَبَبِ هَذِهِ
الأَنْصَابِ التَّذْكَارِيَّةِ مِن الشِّرْكِ بِاللهِ، وَمُعَانَدَةِ رُسُلِهِ!
مِمَّا سَبَّبَ إِهْلاكهُمْ بِالطُّوفَانِ، وَمَقْتهُمْ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ
خَلْقِهِ، مِمَا يَدُلُّكَ عَلَى خُطُورَةِ التَّصْوِيرِ وَنَصْبِ الصُّوَرِ؛
وَلِهَذَا لَعَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم المُصَوِّرِينَ، وَأَخْبَرَ
أَنَّهُمْ أَشَدُ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَمَرَ بِطَمْسِ
الصُّوَرِ، وَأَخْبَرَ أَن المَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيتْاً فِيهِ صُورَة،
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ مَفَاسِدهَا، وَشِدَّةِ مَخَاطِرهَا عَلَى الأُمَّةِ فِي
عَقِيدَتِهَا؛ فِإِنَّ أَوَّلَ شِرْكٍ حَدَثَ فِي الأَرْضِ كَانَ بِسَبَبِ نَصْب
الصُّوَرِ، وَسَواء كَانَ هَذَا النَصْبُ لِلصُّوَرِ وَالتَمَاثِيلِ فِي
المَجَالِسِ، أَو المَيَادِينِ أَو الحَدَائِقِ؛ فَإِنَّهُ مُحَرَّم شَرْعاً؛
لأَنهُ وَسِيلَة إِلَى الشِّرْكِ، وَفَسَادِ العَقِيدَةِ، وَإذَا كَانَ الكُفَّارُ
اليَوْمَ يَعْمَلُونَ هَذَا العَمَلَ؛ لأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ عَقِيدَةٌ
يُحَافِظُونَ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ
يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ ويُشَاركُوهُمْ فِي هَذَا العَمَلِ؛ حِفَاظاً عَلَى
عَقِيدَتِهِمْ الَّتِي هِيَ مَصْدَرُ قُوَّتِهِمْ وَسَعَادَتِهِمْ.
وَلاَ يُقَالُ: إِن النَّاسَ تَجَاوَزُوا هَذِهِ
المَرْحَلَةَ؛ وَعَرفُوا التَّوْحِيدَ وَالشّرْكَ؛ لأَِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْظُرُ
لِلْجِيلِ المُسْتَقْبَلِ حِينَمَا يَظْهَرُ فِيهِمُ الجَهْلُ؛ كَمَا عَمِلَ مَعَ
قَوْمِ نُوحٍ، لَمَّا مَاتَ عُلَمَاؤُهُمْ وَفَشَا فِيهُم الجَهْلُ، وَلأنَّ
الحَيَّ لاَ تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الفِتْنَةُ؛ كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام:
﴿وَٱجۡنُبۡنِي
وَبَنِيَّ أَن نَّعۡبُدَ ٱلۡأَصۡنَامَ﴾
[إبراهيم: 35]؛ فَخَافَ عَلَى نَفْسه الفِتْنَةَ، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: «وَمَنْ
يَأْمَنُ البَلاَءَ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ؟!».
***
الصفحة 2 / 188