صَوْنُ
الجَوَارِحِ
*****
من أعْظمِ الآدابِ
الشَّرعيَّة صَونُ الجَوارِح، ومعْنى صَونُ الجَوارحِ: حِفظُ الأعْضاءِ؛ لأنَّ
الجَوارِحَ هي الأعضاءُ سُمِّيتْ جَوارِحَ؛ لأنها تَجتَرِح أي تَكتَسِبُ،
والاجْتراحُ الاكْتسابُ، فهي جوارح بمعنى كواسب تَكسِبُ لصَاحِبِها خَيرًا أو
شرًّا، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّىٰكُم بِٱلَّيۡلِ وَيَعۡلَمُ مَا جَرَحۡتُم
بِٱلنَّهَارِ﴾ [الأنعام: 60]، جَرَحتُم: يعني كَسبْتُم من الأعمَال: ﴿أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ
ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّئَِّاتِ﴾ [الجاثية: 21]، أي اكتَسَبُوها ﴿أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ﴾ [الجاثية: 21]،
فالجَوارِحُ هي الأعضاءُ سمِّيتْ بذلِكَ لأنَّها تَجترِح لصاحِبِها أي تَكتَسِب
لصاحبها، ومنه الجَوارِح من الطُّيورِ ومن السِّباع: ﴿وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ﴾ [المائدة: 4] ؛
يعني الكواسِب من الطَّيرِ أو من السِّباعِ التي تُمسِكُ الصَّيدَ.
فصَونُ الجَوارِح: أي
حِفظُها، أمرٌ مهِمٌّ جِدًّا، أن يحفظَ الإنسانُ أعضاءَه من اكتِسَابِ الآثامِ
والسَّيِّئاتِ، فإذا حفِظَ جَوارِحَه فقد حَفِظَ قَلبَه؛ لأنَّ القَلبَ هُوَ ملك
الجوارِح؛ فإذا صَلُح صَلُحَ الجَسدُ كُلُّه، وإذا فَسَدَ فَسد الجَسدُ كُلُّه،
كما ورد في الحديث ([1]).
فالقلبُ ملِكُ الجَوارِح، وما تَكتَسِبُه الجَوارِحُ يُؤثِّرُ في القلْبِ، حتَّى رُبَّما إن القَلبَ يَعمِي أو يَموتُ بِسبَبِ ما يأتي عليهِ من اكْتسابِ الجَوارِح والأعْضاءِ؛ فلذلك قال: «صَوْنُ الجَوَارِحِ»؛ أي حِفْظُهَا، فيجبُ على
الصفحة 1 / 626