×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

فَتَرْدَى بِقَائِلِهَا إِلَى النَّارِ كَلِمَةٌ *** وَإِرْسَالُ طَرْفِ المَرْءِ أَنْكَى فَقَيِّدِ

*****

بعدما رأى بَنُو إسْرائِيلَ العِبرَةَ في إحياءِ القَتيلِ، بعدما رأوا العِبرَة التي تُلينُ القُلوبَ، ما اسْتفادوا من هذا: ﴿ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةٗۚ؛ أشَدُّ قَسوَة من الحِجارَة: ﴿وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَآءُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡيَةِ[البقرة: 74].

«عَنْهُ الخُشُوعُ بِمُبْعَدِ»؛ فإذا أَردْتَ أن يَلينَ قَلبُك فاترُك فُضولَ الكَلامِ، واشْغلْ وَقتَك بِذكْرِ اللهِ عز وجل ؛ فإن ذلك يُلينُ القَلبَ.

«فَتَرْدَى بِقَائِلِهَا إِلَى النَّارِ كَلِمَةٌ»، كَالرَّجل الذي قال: واللهِ لا يَغفِرُ اللهُ لِفلانٍ، فأحْبَطَتْ عَملَه، «والرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ الله، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» ([1])، وفي الحَديثِ الآخَر: «يَكْتُبُ اللهُ سَخَطَهُ عَلَيْهِ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ» ([2])، كلمة واحدة، فَكيفَ بالكَلامِ الكَثيرِ من سَخَط اللهِ عز وجل.

«وَإِرْسَالُ طَرْفِ المَرْءِ أَنْكَى فَقَيِّدِ»؛ لما فَرغَ من ذِكرِ آفاتِ اللِّسانِ انتَقَلَ إلى آفاتِ النَّظرِ، والنَّظرُ خَلقَه اللهُ نِعمَةً للإنسانِ يُبصِرُ به ما ينفعُه في دنياهُ وآخِرتِه، فهو من أكْبَر نِعمِ اللهِ عز وجل، فإذا استعْمَله فيما يُسخِط اللهَ صار ضَررًا عليه، وذلك بأنْ يَنظُر به إلى ما حَرَّم الله النَّظرَ إليه، قال الله جل وعلا: ﴿قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ [النور: 30]، فغَضُّ البصَرِ سَببٌ لحفظِ الفَرجِ، وإرسالُ البصَرِ سببٌ لفسادِ


الشرح

([1] أخرجه: البخاري رقم (6478)، ومسلم رقم (2988).

([2] أخرجه: الترمذي رقم (2319).