وَذَاكَ
نَذِيرُ المَرْءِ يَنْعِي ارْتِحَالَهُ *** وَلِلقَزْعِ أَكْرَهُ ثُمَّ
تَدْلِيسُ نَهِّدِ
*****
فهذا حَرامٌ؛ لقولهِ
صلى الله عليه وسلم: «غَيِّرُوا هَذَا الشَّيْبَ، وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ»
([1])، وجاء في الحَديثِ
الآخَرِ: «أَنَّ قَوْمًا فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَصْبِغُونَ بِالسَّوَادِ
كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لاَ يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» ([2]). وهذا وَعيدٌ
شَديدٌ، فلا يَجوزُ صَبغُ الشَّيبِ بِالسوادِ.
وتَغييرُ الشَّيبِ
لَيس بواجِبٍ، فلو تُرِك أَبيَض فَلا بَأسَ، ولكنَّ صَبغَه أحْسنُ مُخَالفَةً
لليَهود؛ لأنَّ اليَهودَ كانوا لا يَصبِغونَ، فأمرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
أمر اسْتحبَابٍ وَندبٍ بتَغييرِ الشَّيب، فَمن غَيَّره فَهُو أفْضل، ومن ترَكَه
فلا بأس، بِدليلِ أنَّ جمَاعَةًً مِن الصحابَةِ كانوا لا يَصبِغُون، فلو كانَ
واجبًا لما تركوا الصَّبغَ، فدلَّ على أن الأمرَ للاسْتحبابِ.
ولا يجوز نَتفُ
الشَّيبِ؛ لأنَّه نُور المُوحِّد، من شاب شَيبةً في الإسلامِ فله أجْرٌ عَظيم، فهو
نُور المُوحِّد؛ لأنَّ بَعض النَّاس يَنتفونَ الشَّيب فِرارًا من الكِبَر
بِزعمِهم، وهذا لا يُغنيهِم شَيئًا، وأشدُّ من هذا الذينَ يَحلقُون لحاهُم خَوفًا
من أنْ يُعرَفوا أنَّهم قد شابُوا، وهؤلاء يَفضحُهُم أصُولُ شعْرهِم.
وَالشَّيْبُ مِنْ نُذُرِ المَوتِ، فإذا رأيتَ الشَّيبَ فاسْتعِدَّ للمَوت؛ لأنه لَيس بَعد الشَّيبِ إلاَّ المَوت، ولهذا جَاء في تَفسيرِ قوله تعالى: ﴿أَوَ لَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ﴾ [فاطر: 37]، أنه الشَّيبُ، فإذا رأى الإنسانُ الشَّيبَ فليعْلَم أن أجَلَه قَريبٌ، وأن الشَّباب
([1]) أخرجه: مسلم رقم (2102).