ولاَ
تَحْتَكِرْ قُوتًا فذاك مُحرَّمٌ *** وفي غيرِ قُوتٍ لَمْ يُحَرَّمْ بِأَوْكَدِ
وَشُرِطَ
للتَّحْريمِ تَضْيِيقُ مُشْترٍ *** عَلَى النَّاسِ في وَقْتٍ شديدٍ مُعَجْرِدِ
ومِنْ
غيرِ إِضْرارٍ فليس مُحرَّمًا *** كمُدَّخِرٍ في الرُّخْصِ ذَا نفعِ أَشْهَدِ
ويحرُم
تَسْعيرٌ فربِّي مُسَعِّرٌ *** وربَّما التَّسْعيرُ داعي التَّزيُّدِ
وإِنْ
تَأْكُلَنْ عندَ امْرِئٍ فادْعُوَنْ لَهُ *** فقَدْ أَمَرَ
الهادي بِه ودَعَا اشْهَدِ
*****
فالسِّعْرُ إِذا
ارْتفع بسببِ قلَّةِ المعروضات، أَوْ رَخُصَ بسببِ كثرةِ المعروضات، فليس للحاكم
أَنْ يتدخَّلَ لا في حالة الرُّخْصِ ولا في حالةِ الغلاءِ؛ لأَنَّ هذا بيد الله،
ولمَّا قِيل للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ألاَ تُسَعِّرُ لنا؟ قال: «إِنَّ
اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَلْقى
رَبِّي وَلَيْسَ عَلَيَّ مَظْلَمَةٌ لأَِحَدٍ» ([1]) ولكنَّ شيخَ
الإِسْلامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ وابْنَ القَيِّمِ يقولان: إِذا كان غلاءُ السِّعْرِ
مِن تلاعُبِ التُّجَّار، فإِنَّ وَلِيَّ الأَمْرِ يتدخَّل ويمنعُ التَّلاعُبَ،
وأَمَّا إِذا كان الغلاءُ ليس بسببِ التُّجَّار وإِنَّما هو بسببِ قِلَّةِ
الأَشْياءِ فهذا بيدِ الله سبحانه وتعالى. وقولُ النَّاظم: «وربَّما التَّسْعير
داعي التَّزيُّد» أَيْ ربَّما إِذا سعَّر الحاكمُ يكون هذا سببًا للغلاءِ،
يعني يسبِّب العكسَ؛ لأَنَّ النَّاسَ إِذا حُدِّدَ لهم سِعْرٌ صاروا لا يبيعون.
فيكون هذا سببًا لغلاءِ السِّعْر، أَمَّا إِذا سُمح للنَّاس بالبيع والشِّراءِ
بدون تَسْعيرٍ؛ ووُكِّلَ أَمْرُهم إِلى الله؛ فهذا سببٌ لرُخْصِ الأَسْعار.
إِذا أَكَلْتَ عند أَحَدٍ فيُستحبُّ أَنَّك تدعو له كما دعا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فقد أَكَلَ صلى الله عليه وسلم عند بعضِ أَصْحابِه فلمَّا فرغ قال: «أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ
([1]) انظر: التخريج السابق.