وهي المَركُوب فِي
كُلِّ وَقْتٍ بِحَسَبِه، سواء عَلَى الدَّابَّةِ أو عَلَى السَّيَّارَةِ أو عَلَى
الطَّائِرَة أو عَلَى الباخِرَةِ، فإذا تَوفَّرَ الزَّادُ وتَوفَّرَ المَركُوبُ،
وَجَبَ عَلَى المُسلِمِ أَنْ يَحُجَّ، وَيُبادِرَ بذلِكَ، والحجُّ مَرَّة واحِدَة،
جعلَهُ الله مَرَّةً واحِدَةً فِي العُمرِ تَخفِيفًا عَلَى الأُمَّةِ؛ لأَنَّه
يَحتاجُ إلى سَفَرٍ وإلى مَؤُونَة، وقد يَكونُ فيهِ أَخطارٌ فِي الطَّرِيقِ أَوْ
فِي المَناسِكِ، فَلِذلِكَ خَفَّفَ اللهُ عَن المُسلمِينَ، وَجَعلَهُ مَرَّةً
واحِدَةً، ومَا زادَ فَهُو تَطوُّعٌ؛ بِدَليلِ قَولِهِ صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ
مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» ([1]).
فَقولُهُ: «وَبادِرْ بِفَرْضِ العُمْرِ» فَرضُ العُمرِ: يَعنِي أَنَّهُ يَجِبُ مَرَّةً واحِدَةً فِي العُمرِ «قَبْلَ انْقِضَائِهِ» لئَلاَّ يأتِيَكَ المَوتُ، وأنتَ لَم تُؤَدِّ الحَجَّ معَ القُدرَةِ علَيهِ، والإنسانُ ما دامَ الله مَكَّنَهُ، يُبادِر بأداءِ الحَجِّ. أَمَّا إذا أدَّى الفرِيضةَ: فَما زادَ عليها فَهُو تَطوُّعٌ، ويُنظرُ فيهِ إِلَى الأصْلَحِ، إذا كانَ هناكَ الإنفاقُ فِي سَبيلِ اللهِ أوْ عَلَى الفُقَراءِ أَنفَعُ وأَحْوَجُ فهو أَفْضَلُ مِنَ الحَجِّ، فإذا كانَ هُناكَ مَجالٌ مُلِحٌّ في الإنفاقِ فَهُو أفضلُ مِنَ الحَجِّ، كَأَنْ يكُونَ هُناكَ حَاجَةٌ وعُسْرَةٌ، أو يُوجَدُ مُحتاجٌ شَدِيدُ الحاجَةِ فإنَّ صَرْفَ المالِ فِي ذَلِكَ أَفضلُ مِن صَرفِهِ في حَجِّ النَّفلِ، كَذلِكَ في أَيَّامِنا هذه الزَّحمَة الشَّديدَة والخَطر: كَوْنُ الإنسانِ يَتأخَّرُ عَنِ الحَجِّ في أَيَّامِ الزَّحمَة الشَّدِيدة وكَثْرة الوُفُود، والحاجُّ الآنَ ما يُؤدِّي الحجَّ عَلَى الوَجْهِ المَطلُوبِ بسببِ الزَّحمةِ والمَشقَّةِ، فأفضلُ مِن هذا أَنَّكَ تَبْقَى فِي بَلدِكَ، وَتَتعَبَّدُ اللهَ، وتَتصَدَّقُ، فهذا أفضلُ مِن الحجِّ مَع الزَّحمةِ الشَّديدةِ
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (172)، والدارمي رقم (1788)، وأحمد رقم (2642).