كذلك يخاطب الله جل شأنه
هذا الإنسان ممتنًا عليه ومظهرًا لتكريمه على غيره بأنه سخر له ما في السموات وما
في الأرض: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ
وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ
يَتَفَكَّرُونَ} [الجَاثيَة: 13].
فكل ما في الآية من تسخير ما في السموات وما في الأرض لهذا الإنسان يدل على
سيادته لهذه المخلوقات وعظم مسؤوليته في هذه الحياة ومن ثم استخلفه الله في هذه
الأرض: {إِنِّي جَاعِلٞ
فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ} [البَقَرَة: 30] فيجب عليه أن يفهم مكانته ويعي
مسئوليته ويقوم بما نيط به لقاء ما أنعم الله عليه به.
والبحث في معنى الآيتين السابقتين: {هُوَ ٱلَّذِي
خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا} [البَقَرَة:
29]، {وَسَخَّرَ لَكُم
مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ} [الجَاثيَة: 13]. يدعو إلى
مناقشة مسألة جرى الخلاف فيها وهي: «هل الأصل في الأشياء الإباحة أو التحريم».
وتحرير محل النزاع في هذه المسألة أن يقال الأشياء مثلاً لها ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون فيها ضرر محض ولا نفع فيها البته كأكل الأعشاب السامة القاتلة.
الثانية: أن يكون فيها نفع محض ولا ضرر فيها أصلاً.
الثالثة: أن يكون فيها نفع من جهة وضرر من جهة.
فما كان فيه ضرر محض أو كان ضرره أرجح من نفعه أو مساويًا له فهو حرام لقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ» ([1])، ولقوله تعالى: {وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ } [البَقَرَة: 195]، وقوله تعالى: {وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ} [النِّسَاء: 29].
([1])حديث حسن رواه ابن ماجه والدار قطني وغيرهما مسندًا ورواه مالك في الموطأ مرسلاً/الأربعون النووية وشرحها لابن رجب الحنبلي ص(265).