· الترجيح:
والقول الأول أظهر لصحة أدلته وصراحتها؛ فالأصل في جميع الأعيان الموجودة
على اختلاف أصنافها وتباين أوصافها أن تكون حلالاً مطلقًا للآدميين وأن تكون طاهرة
لا يحرم عليهم ملابستها ومباشرتها ومماستها ([1])، فلا يحظر
منها إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى، وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: {قُلۡ أَرَءَيۡتُم
مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُم مِّن رِّزۡقٖ فَجَعَلۡتُم مِّنۡهُ حَرَامٗا
وَحَلَٰلٗا} [يُونس: 59] ولهذا ذم الله
المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله وحرموا ما لم يحرمه الله كما
ذكره الله عنهم بقوله سبحانه: {وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا
ذَرَأَ مِنَ ٱلۡحَرۡثِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ نَصِيبٗا فَقَالُواْ هَٰذَا لِلَّهِ
بِزَعۡمِهِمۡ وَهَٰذَا لِشُرَكَآئِنَاۖ} [الأنعَام:
136] إلى قوله: {سَيَجۡزِيهِم
بِمَا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ}[الأنعَام: 138].
وما اعتمده أصحاب القول الثاني يناقش بأن منع التصرف في ملك الغير إنما
يقبح عادة في حق من يتضرر بالتصرف في ملكه، وأنه يقبح عادة المنع مما لا ضرر فيه
كالاستظلال بظل حائط إنسان والانتفاع بضوء ناره والله جل وعلا لا يلحقه ضرر من
انتفاع مخلوقاته بالتصرف في ملكه ([2]).
وأما التوقف فلا موجب له لعدم تكافؤ الأدلة لما رأينا من قوة أدلة القول
الأول وضعف دليل القول الثاني.
على أن شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله ([3]) يرى قصر هذه الإباحة على المسلم خاصة حيث يقول في الأطعمة: «والأصل فيها الحل
([1])مجموع فتاوى شيخ الإسلام ص(535) ج(21).