سبق من أن عمومها مخصوص بما ورد بعد نزولها من تحريم أشياء لم تذكر فيها، واستدلوا بحديث التلب بتاء مثناة فوق مفتوحة ثم لام مكسورة ثم باء موحدة الصحابي رضي الله عنه قال: «صَحِبْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أَسْمَعْ لِحَشَرَةِ الأَْرْضِ تَحْرِيمًا» ([1]) وأجيب عنه بأنه إن ثبت لم يكن فيه دليل لأن قوله لم أسمع لا يدل على عدم سماع غيره ([2]) فعلى قول مالك هذا لا دخل لاستخباث الناس في التحريم وإنما المرجع في ذلك إلى ما نص على تحريمه وما لم ينص على تحريمه فهو حلال، ونرى شيخ الإسلام ابن تيمية يرجح هذا حين يقول ([3]) وهو في معرض الرد على نفاة حكمة الرب الثابتة في خلقه وأمره ما نصه: وقال تعالى: {يَسَۡٔلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ} [المَائدة: 4] فلو كان معنى الطيب هو ما أحل كان الكلام لا فائدة فيه فعلم أن الطيب والخبيث وصف قائم بالأعيان وليس المراد به مجرد التذاذ الأكل فإن الإنسان قد يلتذ بما يضره من السموم وما يحميه الطبيب منه ولا المراد به التذاذ طائفة من الأمم كالعرب ولا كون العرب تعودته فإن مجرد كون أمة من الأمم تعودت أكله وطاب لها أو كرهته لكونها ليس في بلادها لا يوجب أن يحرم الله على جميع المؤمنين ما لم تعتده طباع هؤلاء ولا أن يحل لجميع المؤمنين ما تعودوه كيف وقد كانت العرب قد اعتادت أكل الدم والميتة وغير ذلك وقد حرمه الله تعالى وقد قيل لبعض العرب ما تأكلون
([1])رواه أبو داود / قال البيهقي في إسناده: وهذا إسناد غير قوي وقال النسائي ينبغي أن يكون مقام ابن التلب مجهولاً ليس بالمشهور / مختصر سنن أبي داود للمنذري ص(313) ج(5).