القول الثالث: وهو قول المالكية: أن ذبح أهل الكتاب إذا قصدوا
به التقرب لآلهتهم قربانًا وتركوه لا ينتفعون به فإنه لا يحل لنا أكله إذ ليس من
طعامهم لأنهم لا ينتفعون به وأما ما ذبحوه لأنفسهم بقصد أكلهم منه ولو في أعيادهم
لكن سموا عليه اسم آلهتهم مثلاً تبركًا فهذا يؤكل بكره لأنه تناوله عموم: {وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ
أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ} [المَائدة: 5] ([1]).
· الترجيح:
والذي يترجح هو القول الأول وهو التحريم مطلقًا لعموم قوله تعالى{إِنَّمَا حَرَّمَ
عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ
لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ} [البَقَرَة: 173]
وهذا مما أهل به لغير الله - وإباحة ذبائح أهل الكتاب وإن كانت مطلقة: لكنها مقيدة
بما لم يهلوا به لغير الله فلا يجوز تعطيل القيد وإلغاؤه بل يحمل المطلق على
المقيد وإن ادعى المخالفون العكس فقالوا: {وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ
لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ} [البَقَرَة: 173]
هي المطلقة والآية {وَطَعَامُ
ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ} [المَائدة: 5] مقيدة فيحمل المطلق على المقيد فتقيد
ذبيحة الكتابي ما أهل به لغير الله - ويبقي مطلقًا فيما سواها.
قلنا: بل الصواب العكس فقوله تعالى: {وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ
أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ} [المَائدة: 5] مطلق فيما أهل به لله - وما أهل به لغيره
- قيد منه ما أهل به لغيره وبقي ما عداه.
· وهذا أولى لوجوه:
أحدها: أنه قد نص - سبحانه - على تحريم ما لم يذكر عليه اسمه
([1])حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ص(101) ج (2).