قَولُه: «عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لأَِخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»».
«لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ»؛
يَعنِي: الإِيمَانُ الكَامِلُ، المرَادُ: كَمَالُ الإٍِيمَان، لا أنَّه
إذَا لَم يُحبّ لأَخِيهِ مَا يُحبُّ لِنَفسِه يكُونُ كَافِرًا، لاَ، المُرَادُ:
نفْيُ الكمَالِ، لاَ نَفيُ الأَصلِ - تَنَبَّهُوا لِهَذَا - «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ»؛ أيْ: لاَ يَكمُلُ إِيمَانُه، «حَتَّى يُحِبَّ لأَِخِيهِ» مِن الخَيرِ «مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»؛ لأنَّ
المُؤمِنِين نَفسٌ وَاحِدةٌ، نَفسُهُ مِثلُ نَفسِكَ، تُحبُّه وَتُجِلّه،
وَتُعظِّمُه وتَحتَرِمُه؛ كمَا تُحِبٌّ نَفسَكَ؛ لأنَّه أخُوكَ فِي الدِّينِ،
فتحِبُّ لَه مِن الخَيرِ مَا تُحبُّ لِنَفسِك، تُحبُّ لِنَفسِك المَالَ الحَلالَ،
تُحبُّهُ لأِخِيكَ وَلاَ تَحسُدُه، تُحبُّ لِنَفسِكَ الجنَّةَ، تُحِبُّها
لأَِخِيكَ - أَيضًا-، وتَرجُوهَا لَه، تَدعُو لَه بِهَا، فتُعامِلُه كَمَا
تُعامِلُ نَفسَكَ؛ لأِنَّه أخُوكَ.
إذَا
بَلَغَ الإِنسَانُ هَذِه المَرتَبةَ، فَقَد كَمُلَ إِيمَانُه، وَإذَا لَم يَبلُغْها،
فَإنَّ عِندَه نَقصٌ فِي الإِيمَانِ.
ومَن
لاَزَمَ ذِلك: أنْ تَكرَهَ لَه مِن الشَّرِّ مَا تَكرَهُ
لِنَفسِكَ، فَلاَ تَرضَى لأِخِيكَ الشّرَّ؛ كَمَا أنَّكَ لاَ تَرضَاهُ لِنَفسِكَ،
فَاتّخِذْ نَفسَك مِقيَاسًا مَعَ المُسلِمِين؛ مَا تُحبُّه لَهَا، تُحبُّه لإِخوَانِك
مِن الخَيرِ بِأَنوَاعِه، ومَا تَكرَهُهُ لِنَفسِك مِن الشرُورِ، تَكرَهُهُ
لإِخوَانِكَ؛ فَلاَ تَرضَاهُ لَهُم، هَذِه العَلاَمَةُ العَظِيمَةُ والشُّعبَةُ
الكَبِيرَةُ مِن شُعَبِ الإِيمَانِ، فإذَا تَحقَّقَت «هَذِه» الصّفَةِ، حَصَلَ التَّوافُقُ بَيْن المُسلِمِين
والتَّرَاحُمُ والتَّعاطُفُ والتَّعَاوُنُ، إذَا تَوفَّرَت هَذِه الصَّفَةُ،
حَصَلَت ثَمرَتُها، وَإذَا فُقِدَت، فُقِدت ثَمَرَتُها، فَلا يَكُونُ