×
شرح كتاب الإيمان من الجامع الصحيح

حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ» ([1]).

****

وَقَد سَبَقَ أنَّ مِن حَلاوَةِ الإِيمَانِ أنْ تُحبَّ المَرءَ لاَ تُحبّه إلاَّ للهِ، والأَنصَارُ رضي الله عنهم أَولَى بِذَلِك؛ أنْ تُحبَّهم لأَجلِ اللهِ سبحانه وتعالى، أنْتَ مَا عَاصَرتَهم وَلاَ رَأَيتَهم؛ لَكنْ تُحبُّهم لأنَّ اللهَ أثنَى عَلَيهِم وَيُحبُّهم، الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم أثْنَى عَلَيهِم وَأَحبَّهم؛ فَأنتَ تُحبُّهم مِن أَجلِ ذَلِك.

قَالَ رحمه الله: «بَابٌ: عَلاَمَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ»، سَبَقَ بَيانُ أنَّ حبَّ الصَّحابَةِ رضي الله عنهم كلِّهم أمرٌ وَاجبٌ علَى الأمّةِ، والتَّرضِّي عَنهُم، وَعَدمُ انتِقَادِ أحدٍ مِنهُم هذَا مِن أصُولِ العَقِيدَةِ؛ خِلافًا لِلفرَقِ الضَّالةِ، التِي تَتكلّم فِيهِم، أَو فِي بَعضِهم؛ فَهُم حَمَلةُ الشَّريعَةِ عَن رُسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وهُم الذِين وَطّدَ اللهُ بِهِم الإسِلامَ مَعَ الرّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَبَعدَه، فَمَقامُهم مَعرُوفٌ فِي الأمّةِ، وَلاَ يَجحَدُ فَضلَهم إلاَّ مُكابِرٌ، أَو عَدوٌّ لِلإسلاَمِ والمُسلِمِين.

ثمَّ إنَّ اللهَ جل وعلا جَعَلَ الصَّحابةَ رضي الله عنهم يَتَفاضَلُون حَسَبَ مَا قَامُوا بِه، فَالمُهَاجِرون الذِينَ انتَقَلُوا بِدِينِهم، وَتَركُوا أَموَالَهم وَأوطَانَهم وأَولاَدَهم؛ لأَجلِ نُصرَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم والجِهَادِ مَعَه، لهُم فَضلُهم الخَاصُّ بِهِم، كَذَلك الأَنصَارُ رضي الله عنهم الذِينَ آوَوْا ونَصَرُوا، استَقبَلوا الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم، واستَقبَلُوا المسلِمِين، وَوَاسُوهم بِأموَالِهِم ومُمتَلَكاتِهم أَيضًا لهُم فَضلُ النصرَةِ وَالإِيوَاءِ: ﴿وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ [الحشر: 9]، فالأَنصارُ رضي الله عنهم لهُم مِيزَةُ النُّصرَةِ والإِيوَاءِ.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (17)، ومسلم رقم (74).