عُثمَانَ رضي الله عنه، نُشِبَت الفِتنَةُ بَيْن
المُسلِمِين؛ طَائِفةٌ يُطَالِبُون بِدَمِ عُثمَانَ رضي الله عنه، يُريدُونَ
تَسلِيمَ القَتَلَةِ لِلعدَالَةِ، وَطَائِفةٌ انحَازُوا مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنه
بَعدَ مُبَايَعتِه بِالخِلافَةِ بَعدَ مَقتلِ عُثمَانَ رضي الله عنه عَلَى أنّه
هُو الخَلِيفَةُ.
وهَؤُلاءِ
إِخوَانُه يَقُولُونَ: نَعَم نَحنُ لاَ نُمانِعُ فِي الخِلافَةِ، إنَّمَا نُرِيد
القَتَلةَ الّذِين قَتَلُوا عُثمَانَ رضي الله عنه يُقدَّمُونَ لِلعدَالَةِ،
عَلِيٌّ رضي الله عنه مَا يَقدِرُ يُسلِّمُهم، حتَّى يَستَتِبَّ الأَمنُ، وَحتَّى
يَستَتِبَّ الأَمرُ؛ لأنَّ الأمُورَ مَا تَزَالُ فِي رَجَّةٍ - والعِيَاذُ بِاللهِ
- قدَّرَ اللهُ أنَّه صَارَ قِتَالٌ بَيْن مَن يُطالِبُونَ بِدَمِ عُثمَانَ رضي
الله عنه، وَبَيْن عَلِيٍّ رضي الله عنه لاَ بِإرَادةٍ مِن عَلِيٍّ رضي الله عنه،
وَلاَ بِإرَادَةٍ مِن إِخوَانِه الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وإنَّما أَهلُ
الفِتنَةِ هُم الذِينَ أَشعَلُوا الحَربَ بَيْن الطَّائِفَتَين؛ لِئَلاَّ يُوصَلَ
إِلَيهم؛ لِيُشغِلُوا النّاسَ عَن الوُصُولِ إِلَيهم، فَالحَربُ لَيْسَت بِإرادَةِ
عَلِيٍّ وَلاَ بِإرَادَةِ إِخوَانِه، إنَّمَا أَشعَلَها أَهلُ الفِتنَةِ فِيمَا
بَيْنَهم، فَحَصَلَت المَقتَلةُ.
الأَحنَفُ
بنُ قَيسٍ خَرَجَ يُريدُ منَاصَرَةَ عَلِيٍّ فِي هَذِه الحَربِ، وهِيَ بَيْن
فِئَتَين مِن المُؤمِنِين، خَرَجَ يُريدُ أنْ يُناصِرَ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالبٍ
رضي الله عنه، فَلَقِيَه أبُو بَكرَةَ نُفَيعُ بنُ الحَارِثِ الثَّقَفِي رضي الله
عنه، فَقَالَ لَه: «أَيْنَ تُرِيدُ؟»،
قَالَ الأَحنَفُ: «أَنْصُرُ هَذَا
الرَّجُلَ»؛ يَعنِي: عَلِيًّا رضي الله عنه، قَالَ: «ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
«إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي
النَّارِ»»، فعِندَ ذَلِك رَجَعَ الأَحنَفُ رحمه الله، رَجَعَ عمَّا أَرَادَ؛
تَنَازُلاً لِقَولِ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، وَعَمَلاً بِالحَدِيثِ -
وهَكَذَا المُسلِمُ إذَا بَلَغَه حَدِيثُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم،
يَمتَثِلُ عَلَى الرَّأسِ والعَينِ-، فَرَجَعَ، فَدلَّ عَلَى