اللهِ صلى الله عليه وسلم، لكنْ كلَّمَا قَوِيَ
الإِيمَانُ والدِّينُ، كَثُرَ الخَوفُ مِن اللهِ سبحانه وتعالى، ولاَ يُزَكِّي
نَفسَه.
قَالَ
جل وعلا: ﴿فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ﴾
[النجم: 32]؛ يَعنِي: لاَ تَمدَحُوهَا، لاَ تَمدَحُوا أَنفُسَكم وتَمدَحُوا
أَعمَالَكم، بَل كُونُوا خَائِفِين عَلَى أَعمَالِكم وَعَلَى أَنفُسِكم مِن
الانْتِكَاسِ والنَّقصِ.
قَولُه
رحمه الله: «كُلُّهُمْ
يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ»؛ أيْ: النِّفَاقُ العَمَلِيُّ، لاَ
النِّفاقُ الاعتِقَادِيّ، يخَافُونَ عَلَى أَنفُسِهم مِن النفَاقِ العَمَلِي،
الّذِي يَصدُرُ مِن المُسلِمِ أَحيَانًا، أمَّا النّفَاقُ الاعتِقَادِيّ -
والعِيَاذُ بِاللهِ-، فَهَذا لَم يَدخُلْ مَعَنَا، هَذا كُفرٌ أَكبَرُ، لَكنَّ النّفَاقَ
العَمَلِيَّ هُو الّذِي يَدخُلُ عَلَى المُؤمِنِين، فيَنبَغِي أنْ يَحذَرُوا
مِنهُ.
ولِهَذا
قَالَ صلى الله عليه وسلم لأَِصحَابِه رضي الله عنهم: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَْصْغَرُ».
قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الأَْصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الرِّيَاءُ» ([1]).
يقُوُم الرَّجلُ، فَيُصَلّي، ويُزَيّن صلاَتَه؛ لِمَا يَرَى مِن نَظرِ رَجُلٍ إِلَيه، هَذَا الشِّركُ الأَصغَرُ، وَهُو النّفاقُ العمَلِيُّ، الصَّحابَةُ يخَافُونَه، وَالرَّسُولُ خَشِيَه عَلَى صحَابَتِه، وَكَانَ عُمرُ رضي الله عنه يَسأَلُ حُذَيفَةَ بنَ اليَمَانِ رضي الله عنه أَمِينَ سِرِّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم يُخبِرُ حُذَيفَةَ رضي الله عنه بِالمُنَافِقِين، وَلَكِنَّ حُذَيفَةَ رضي الله عنه لاَ يُبيِّن هَذَا لِلنّاسِ، فَكَانَ عُمرُ يَسأَلُه: «أُنْشِدُكَ اللهَ هَلْ سَمَّانِي لَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم - يَعنِي: فِي المُنَافِقِين-، فيَقُولُ: لاَ، وَلاَ أُزَكِّي بَعْدَكَ
([1]) أخرجه: أحمد رقم (23630)، والطبراني في «الكبير» رقم (4301)، والبيهقي في «الشعب» (6412).