×
شرح كتاب الإيمان من الجامع الصحيح

 يَقدِر أنْ يَقُولَ شَيئًا، مَعَ عَدَاوتِه لِلرَّسُولِ قَبلَ أنْ يُسلِمَ مَا استَطَاعَ أنْ يَقُولَ كَلِمةَ كَذِبٍ، فَعِندَ ذَلِك اعتَرَفَ هِرَقلُ أنَّه رَسُولُ اللهِ، وَقَالَ: «فَإنْ كَانَ مَا تَقُول حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوضِعَ قَدَمِيَّ هَاتَينِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعلَمُ أَنَّه خَارِجٌ، لَم أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّه مِنكُم، فَلَو أَنِّي أَعلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَو كُنْتُ عِندَه لَغَسَّلْتُ عَن قَدَمِهِ».

قَولُه: «فَسَيَمْلِكُ مَوضِعَ قَدَمِيَّ هَاتَينِ»؛ يَعنِي: بِلاَدَ الشَّامِ.

وكُلَّما سَأَلَه أَجَابَه بِالصِّدقِ، فقَالَ: «فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ»، وَفِي النِّهَايةِ اعتَرَفَ لَه بِالرِّسَالةِ، وَأَرادَ أنْ يُسلِمَ، لَكنَّ قَومَه مِن النَّصَارَى أَنكَرُوا عَلَيه، فَخَافَ عَلَى مُلكِهِ - والعِيَاذُ بِاللهِ-، فَحِينَئذٍ أَعلَنَ عَدمَ إِسلاَمِه؛ لأِجلِ الحِفَاظِ علَى مُلكِه، صَدَّه حُبُّ المُلكِ عَن الإِسلاَمِ، لكِنَّه اعتَرَفَ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِالرِّسَالةِ، والشَّاهِدُ مِنه هَذِه الأَلفَاظُ الّتِي أَورَدَها الإِمَامُ.

«قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ: أَنَّ هِرَقْلَ، قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟»؛ أَتبَاعُ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم هَل يَزِيدُونَ أَم يَنقُصُونَ؟ قَالَ: «يَزِيدُونَ»، هَذَا دَليلٌ عَلَى أنَّه نَبِيٌّ، لَو كَانَ لَيْسَ بِنَبيٍّ، كَانَ يَتَبيَّن لَهُم أنَّه لَيْسَ نَبِيًّا، يَترُكُونَه، أَم لاَ؟ كَانَ يَتبيَّن لَهُم، يَغتَرُّهم بِالأَوّلِ، وَيتَّبِعُونَه، ثمَّ يتَبيَّن لَهُم أنَّه لَيْسَ نَبيًّا، فَيَتْركُونَه؛ مِثلَمَا حَصَل لِلمُتَنَبِّئِينَ.

قَولُه: «فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ».

«وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ»، هَذَا مَحلُّ الشَّاهِدِ «الإِيمَانُ»، فدلَّ علَى أنَّ قَبولَهم لِلإِسلاَمِ مِن الإِيمَانِ.


الشرح