فَتَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ بَابٌ لِتَوْحِيدِ
الأُلُوهِيَّةِ؛ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ احْتَجَّ اللهُ عَلَى المشركين بِهَذِهِ
الطَّرِيقَةِ، وَأَمَر رَسُوله أَنْ يَحْتَجَّ بِهَا عَلَيْهمْ؛ فَقَالَ تَعَالَى:
﴿قُل لِّمَنِ ٱلۡأَرۡضُ
وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٨٤سَيَقُولُونَ لِلَّهِۚ قُلۡ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
٨٥قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبۡعِ وَرَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ ٨٦سَيَقُولُونَ
لِلَّهِۚ قُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ ٨٧قُلۡ مَنۢ بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُوَ
يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيۡهِ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٨٨سَيَقُولُونَ لِلَّهِۚ قُلۡ
فَأَنَّىٰ تُسۡحَرُونَ ٨٩﴾[المؤمنون:
84-89].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ
خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ فَٱعۡبُدُوهُۚ﴾
[الأنعَام: 102].
فَقَد احْتَجَّ بِتَفَرُّدِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ عَلَى
اسْتِحْقَاقِهِ لِلْعِبَادَةِ، وَتَوْحِيدُ الأُلُوهِيَّةِ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ
الخَلْقَ مِنْ أَجْلِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ﴾ [الذّاريَات: 56].
وَمَعنى «يَعْبُدُونِ»:
يَفْرِدُونَنِي بِالعِبَادَةِ، وَلاَ يَكُونُ العَبْدُ مُوَحّدًا بِمُجَرَّدِ
اِعْتِرَافِهِ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ؛ حَتَّى يُقِرّ بِتَوْحِيدِ
الأُلُوهِيَّةِ، وَيَقُوم بِهِ، وَإِلاَّ فَإِنَّ المشركين كَانُوا مقرّينِ
بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَمْ يدْخلْهُمْ فِي الإِسْلاَمِ، وَقَاتَلَهُمْ
رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُمْ يقِرُّونَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الخَالِقُ
الرازق، المُحْيِي المُمِيتُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ﴾ [الزّخرُف: 87]، ﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ
لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ﴾
[الزّخرُف: 9]، ﴿قُلۡ
مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أَمَّن يَمۡلِكُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ
وَمَن يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَيُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّ
وَمَن يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۚ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُۚ﴾
[يُونس: 31].
وَهَذَا كَثِيرٌ فِي القُرْآنِ، فَمنْ زَعم أَنَّ التَّوْحِيدَ هُوَ الإِقْرَارُ بِوُجُودِ اللهِ، أَو الإِقْرَارُ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الخَالِقُ المُتَصَرِّفُ فِي الكَوْنِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى