فَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّنِي بَرَآءٞ﴾
هُوَ مَعنى النَّفْي فِي الرُّكْنِ الأَوَّل، وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا ٱلَّذِي فَطَرَنِي﴾
هُوَ مَعنى الإِثْبَات فِي الرُّكْنِ الثَّانِي.
أَرْكَانُ شَهَادَةِ: «أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللهِ»:
لَهَا رُكْنَانِ هُمَا قَوْلُنَا: «عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ»، وَهُمَا يَنْفِيَانِ الإِفْرَاطَ وَالتَّفْرِيطَ فِي حَقِّهِ
صلى الله عليه وسلم؛ فَهُوَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَهُوَ أَكْمَلُ الخلْقِ فِي
هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ الشَّرِيفَتَيْنِ:
وَمَعنى العَبْدِ هُنَا:
المَمْلُوكُ العَابِدُ؛ أَيْ: أَنَّهُ بَشَرٌ؛ مَخْلُوقٌ مِمَّا خُلِقَ مِنْهُ
البَشَرُ؛ يَجْرِي عَلَيْهِ مَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ﴾ [الكهف: 110]، وَقَدْ وَفَّى صلى الله عليه وسلم
العُبُودِيَّة حَقَّهَا، وَمَدَحَهُ اللهُ بِذَلِكَ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَيۡسَ ٱللَّهُ
بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ﴾ [الزُّمَر:
36]،﴿ٱلۡحَمۡدُ
لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ﴾
[الكهف: 1]،﴿سُبۡحَٰنَ
ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ﴾ [الإسرَاء: 1].
ومعنى «الرَّسُول»: المَبْعُوثُ
إِلَى النَّاسِ كَافَّة؛ بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ بَشِيرًا ونذيرًا.
وَفِي الشَّهَادَةِ لَهُ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ: نَفْيٌ لِلإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيط فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْرَطَ فِي حَقِّهِ، وَغَلاَ فِيهِ؛ حَتَّى رَفعه فَوْقَ مَرْتَبَة العُبُودِيَّةِ إِلَى مَرْتَبَةِ العِبَادَةِ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ؛ فَاسْتَغَاثَ بِهِ مِنْ دُونِ اللهِ، وَطَلَبَ مِنْهُ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلاَّ اللهُ؛ مِنْ قَضَاءِ الحَاجَاتِ، وَتَفْرِيِجِ الكُرُبَاتِ، وَالبَعْضُ الآخَرُ جَحد رِسَالَته أَوْ فَرطَ فِي مُتَابَعَتِهِ، وَاعْتَمَدَ عَلَى الآرَاءِ وَالأَقْوَالِ المُخَالِفَةِ لمَا جَاءَ بِهِ؛ وَتَعسف فِي تَأْوِيل أَخْبَارهِ وَأَحْكَامِهِ.