فَنَفْيُهَا عَنِ اللهِ أَوْ نَفْيُ بَعْضِهَا
نَفْيٌ لِمَا أَثْبَتَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَهَذَا مُحَادَّةٌ للهِ وَرَسُولِهِ.
* الوَجْهُ الثَّانِي:
أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ هَذِهِ الصِّفَاتِ
فِي المَخْلُوقِينَ، أَوْ مِنْ تَسَمِّي بَعْضِ المَخْلُوقِينَ بِشَيْءٍ مِنْ
تِلْكَ الأَسْمَاءِ: المُشَابَهَةُ بَيْنَ اللهِ وَخَلْقِهِ؛ فَإِنَّ للهِ
سُبْحَانَهُ أَسْمَاء وَصِفَاتٍ تَخُصُّهُ، وَلِلْمَخْلُوقِينَ أَسْمَاء وَصِفَات
تَخُصُّهُمْ، فكَمَا أَنَّ للهِ سبحانه وتعالى ذَاتًا لاَ تُشْبِهُ ذَوَاتِ
المَخْلُوقِينَ؛ فَلَهُ أَسْمَاء وَصِفَاتٌ لاَ تُشْبِهُ أَسْمَاءَ المَخْلُوقِينَ
وَصِفَاتِهِمْ، وَالاِشْتِرَاكُ فِي الاِسْمِ وَالمَعنى العَامِّ لاَ يُوجِبُ
الاِشْتِرَاكَ فِي الحَقِيقَةِ؛ فَقَدْ سَمَّى اللهُ نَفْسَهُ عَلِيمًا،
حَلِيمًا، وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ عَلِيمًا، فَقَالَ: ﴿وَبَشَّرُوهُ بِغُلَٰمٍ عَلِيمٖ﴾
[الذّاريَات: 28]؛ يَعنِي: إِسْحَاقَ، وَسَمَّى آخَرَ حَلِيمًا؛ فَقَالَ: ﴿فَبَشَّرۡنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٖ﴾ [الصَّافات: 101]؛ يَعنِي: إِسْمَاعِيلَ، وَلَيْسَ
العَلِيمُ كَالعَلِيمِ، وَلاَ الحَلِيمُ كَالحَلِيمِ، وَسَمَّى نَفْسَهُ سَمِيعًا
بَصِيرًا؛ فَقَالَ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا﴾ [النِّسَاء: 58]، وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ سَمِيعًا
بَصِيرًا؛ فَقَالَ: ﴿إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ
نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَٰهُ سَمِيعَۢا بَصِيرًا﴾
[الإنسَان: 2]، ولَيْسَ السَّمِيعُ كَالسَّمِيع، وَلاَ البَصِيرُ كَالبَصِير،
وَسَمَّى نَفْسَهُ بِالرَّءُوفِ الرَّحِيمِ؛ فَقَالَ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾ [الحَجّ: 65]، وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ رَءُوفًا
رَحِيمًا؛ فَقَالَ: ﴿لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ
عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾ [التّوبَة: 128]، ولَيْسَ الرَّءُوفُ كَالرَّءُوفِ،
وَلاَ الرَّحِيمُ كَالرَّحِيمِ.
وَ كَذَلِكَ وَصَفَ نَفْسَهُ بِصِفاتٍ، وَوَصَفَ عِبَادَهُ بِنَظيرِ تِلْكَ الصِّفَاتِ؛ مثْلُ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيۡءٖ مِّنۡ عِلۡمِهِۦٓ﴾ [البَقَرَة: 255]، فَوَصَفَ نَفْسَهُ