الأَمْرَ، وَعَكَسُوا الدِّينَ، وَجَعَلَوا
المَقْصُودَ بِالِزِّيَارَةِ: الشِّرْكَ بِالمَيِّتِ، وَدُعَاءَهُ والدُّعَاءَ بِهِ،
وَسُؤَالَ حَوَائجِهِمْ، وَاسْتِنْزَالَ البَرَكَاتِ مِنْهُ، وَنَصْرَهُ لَهُمْ
عَلَى الأَعْدَاءِ... وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ فَصَارَوا مُسِيئِينَ إِلَى أَنفسهمْ،
وَإِلَى المَيِّتِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِحِرْمَانِهِ بَرَكَةَ مَا
شَرَعَهُ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ لَهُ، وَالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِ، والاستغفار له».
انتهى.
وَبِهَذَا يَتَّضِحُ أَنَّ تَقْدِيمَ النُّذورِ
وَالقَرَابِينِ لِلمَزَارَاتِ شِرْك أَكْبَرُ؛ سَبَبُهُ مُخَالَفَةُ هَدْيِ
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الحَالَةِ الَّتِي يَجبُ أَنْ تَكُونَ عَليهَا
القُبورُ؛ مِنْ عَدَمِ البِنَاءِ عَليَها، وَإقَامَةِ المَسَاجِدِ عَلْيَهَا؛
لأَِنَّهَا لَمَّا بُنِيَتْ عَلَيْهَا القِبابُ؛ وَأُقِيمَتْ حَوْلَها المَسَاجِدُ
وَالمَزَارَاتُ، ظَنَّ الجُهَّالَ أَنَّ المَدْفُونِينَ فِيهَا يَنْفَعُونَ أَوْ
يَضُرُّونَ، وَأَنَّهُمْ يُغِيثُونَ منِ اسْتَغَاثَ بِهِمْ، وَيَقْضُونَ حَوَائِجَ
مَن التَجَأَ إليهِمْ؛ فَقَدمُوا لَهُمُ النُّذُورَ وَالقَرَابِينَ؛ حَتَّى
صَارَتْ أَوْثَانَاً تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ، وقَدْ قَالَ النَّبِيّ صلى الله
عليه وسلم: «اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ
قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ» ([1])،
وَمَا دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ إِلَّا لأَِنهُ سَيَحْصُلُ شَيْء مِنْ ذَلِكَ،
وَقَدْ حَصَلَ عِنْدَ القُبُورِ فِي كَثِيرٍ مِنْ بِلاَدِ الِإسْلاَمِ، أَما
قَبْرُهُ، فَقَدْ حَمَاهُ اللهُ؛ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ
كَانَ قَدْ يَحْصُلُ فِي مَسْجدِهِ شَيْء مِنَ المُخَالَفَاتِ مِنْ بَعْضِ
الجُهَّالِ أَو الخُرَافِيِّينَ، لكِنهُمْ لاَ يَقْدرُونَ عَلَى الوُصُولِ إِلَى
قَبْرِهِ؛ لأَنَّ قَبْرَهُ فِي بَيْتِهِ، وَلَيْسَ فِي المسْجِدِ، وَهُوَ محوط
بِالجُدْرَانِ؛ كَمَا قَالَ العَلَّامَةُ ابْنُ القَيّمِ رحمه الله ُ فِي «نُونِيَّتِهِ»:
فَأَجَابَ رَبُّ العَالَمِينَ
دُعَاءَهُ **** وَأَحَاطَهُ بِثَلاَثَةِ الجُدْرَانِ
***
([1]) أخرجه: مالك، رقم (475).
الصفحة 4 / 188