فَمَنْ أَحَبَّ مَخْلُوقاً مِثْلَ مَا يُحِبُّ اللهَ،
فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَيَجِبُ الفَرْقُ بَيْنَ الحُبِّ فِي اللهِ، وَالحُبِّ مَعَ
اللهِ، فَهَؤُلاَءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا القُبُورَ أَوْثَانَاً؛ تَجِدُهُمْ
يَسْتَهْزئونَ بِمَا هُوَ مِن تَوْحِيدِ اللهِ وَعِبَادَتِهِ، وَيُعَظمُونَ مَا
اتَّخَذُوهُ مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاء، وَيحْلِفُ أَحَدُهُمْ بِاللهِ اليَمِينَ
الغَموسَ كَاذِباً، وَلاَ يَجْتَرئُ أَنْ يَحْلِفَ بِشَيْخِهِ كَاذِبَاً، وَكَثِير
مِنْ طَوَائِفَ مُتَعَدِدةٍ تَرَى أَحَدَهُمْ يَرَى أَن اسْتِغَاثَتَهُ
بِالشَّيْخِ -إِمَا عِنْدَ قَبْره أَوْ غَيْرِ قَبْرِهِ- أَنْفَعُ لَهُ مِنْ أَنْ
يَدْعُوَ اللهَ فِي المَسْجِدِ عِنْدَ السَّحَرِ! ويَسْتَهْزِئُ بِمَنْ يَعْدلُ
عَنْ طَرِيقَتِهِ إِلَى التَوْحِيدِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُخْرِبُونَ المَسَاجِدَ،
وَيَعْمُرُونَ المَشَاهِدَ، فَهَلْ هَذَا إِلاَّ مِن اسْتِخْفَافِهِمْ بِاللهِ
وَبِآيَاتِهِ وَرَسُوله، وَتَعْظِيمِهِم لِلشِّركِ ؟! وَهَذَا كَثِيرٌ وُقُوعهُ
فِي القُبُوريِّينَ اليَوْمَ.
وَالاِسْتِهْزَاء عَلَى نَوْعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا:
الاِسْتِهْزَاءُ الصَّرِيحُ؛ كَالَّذِي نَزَلَتِ الآيةُ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ:
مَا رَأينَا مِثْلَ قُرَائنَا هَؤُلاَءِ أَرْغَبَ بُطُوناً، وَلاَ أَكْذَبَ
أَلْسُناً، وَلاَ أَجْبَنَ عِنْدَ اللّقَاءِ، أَوْ نَحْو ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِ
المُسْتَهْزِئينَ؛ كَقَولِ بَعْضِهِمْ: دِينُكُمْ هَذَا دِينٌ خَامِسٌ، وَقَوْلِ
الآخَرِ: دِينُكُمْ أَخْرَقُ، وَقَوْلِ الآخَرِ -إِذَا رَأَى الآمِرِينَ
بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّاهِينَ عَن المُنْكَرِ-: جَاءَكُمْ أَهْلُ الدِّينِ، مِنْ
بَابِ السُّخْرِيَةِ بِهِمْ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُحْصَى إِلاَ بِكُلْفَةٍ؛
مِمَّا هُوَ أَعْظَم مِنْ قَوْلِ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيِهمُ الآيَةُ.
النَّوعُ الثَّانِي: غَيْرُ الصَّرِيحِ، وَهُوَ البَحْرُ الَّذِي لاَ سَاحِلَ لَهُ؛ مِثْلُ: الرمْزِ بِالعَيْنِ، وَإِخْرَاجِ اللِّسَانِ، وَمَذِّ الشَّفَةِ، وَالغَمزِ بِاليَدِ عِنْدَ تِلاَوَةِ كِتَابِ اللهِ، أَوْ سُنَّةِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ عِنْدَ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَن المنْكَرِ، وَمِثْلُ هَذَا مَا يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الِإسْلاَمَ لاَ يَصْلُح لِلْقَرْنِ