الأَمْرُ الثَّانِي: الإِجَابَةُ عَن الآثَارِ
المَرْوِيَّةِ فِي مَسَاوِيهِمْ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:
الوَجْهُ الأَوَّلُ: أَنَّ هَذِهِ
الآثَارَ مِنْهَا مَا هُوَ كَذِب، قَد افْتَرَاهُ أَعْدَاؤُهُمْ؛ لِيُشَوِّهُوا
سُمْعَتَهُم.
الوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ
هَذِهِ الآثَارَ مِنْهَا مَا قَدْ زِيدَ وَنُقِصَ فِيهِ، وَغير عَنْ وَجْهِهِ
الصَّحِيحِ، وَدَخَلَهُ الكَذِبُ، فَهُوَ مُحَرَّف لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.
الوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ مَا
صَحَّ مِنْ هَذِهِ الآثَارِ -وَهُوَ القَلِيلُ- هُمْ فِيهِ مَعْذُورُونَ؛
لأَِنَّهُمْ إِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ، وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ
مُخْطِئُونَ، فَهُوَ مِنْ مَوَارِدِ الاِجْتِهَادِ الَّذِي إِنْ أَصَابَ المُجْتَهِدُ
فِيهِ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْر وَاحِد، وَالخَطَأُ
مَغْفُور؛ لِمَا فِي الحَدِيثِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا اجْتَهَدَ الحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ
أَجْرَانِ، وَإِنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْر وَاحِد» ([1]).
الوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُمْ
بَشَر؛ يَجُوزُ عَلَى أَفْرَادِهِمُ الخَطَأُ، فَهُمْ لَيْسوا مَعْصُومِينَ مِنَ
الذُّنُوبِ بِالنِّسْبَةِ لِلأَْفْرَادِ؛ لَكِنَّ مَا يَقَعُ مِنْهُمْ فَلَهُ
مُكَفِّرَاتُ عَدِيدَة مِنْهَا:
* أَن يَكُونَ قَدْ تَابَ مِنْهُ، وَالتَّوْبَةُ تَمْحُو
السَّيِّئَةَ مَهْمَا كَانَتْ؛ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الأَدِلَّةُ.
* أَنَّ لَهُمْ مِنَ السَّوَابِقِ وَالفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا صَدَرَ مِنْهُمْ، إِنْ صَدَرَ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّئَِّاتِۚ ذ﴾ [هُود: 114]، وَلَهُمْ مِنَ الصُّحْبَةِ وَالِجهَادِ مَعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَغْفِرُ الخَطَأَ الجُزْئِيَّ.
([1]) أخرجه: البخاري، رقم (6919)، ومسلم، رقم (1716).