وَيَقْبَلُ
نُصْحًا مِنْ شَفِيقٍ عَلَى الوَرَى *** حَرِيصٌ عَلَى زَجْرِ
الأَنَامِ عَنِ الرَّدِ
فَعِنْدِي
مِمَّا فِي الحَدِيثِ أَمَانَةٌ *** سَأَبْذُلُهَا جَهْدِي فَأَهْدِي وَأَهْتَدِي
*****
هذا وصفٌ للنَّاظِم
رحمه الله بأنَّه قَصدَ من هذا النَّظمِ النصيحَةَ للخَلقِ ونفع الخَلقِ، وهكذا
العالِمُ والمُسلِمُ يَقصِدُ النَّصيحَةَ لإخوَانِه، قال صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ
النَّصِيحَةُ». قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلهِ، وَلِكِتَابِهِ،
وَلِرَسُولِهِ، وَلأَِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ» ([1])، والنَّصيحَةُ:
معناها الإخلاصُ في القَصدِ لأخِيكَ بأن تُريدَ نَفعَه وتريدُ إرشادَهُ، هذه هي
النَّصيحَة، وضِدُّها الغِشُّ.
فالناظِمُ شَفيقٌ،
وحريصٌ، وناصحٌ، ثلاثُ صفاتٍ، وإذا اتَّصفَ العالِمُ بهذه الصِّفاتِ نَفعَ اللهُ
به، إذا كان ناصحًا، وكان عِندَه شَفقَةٌ، وكان عنده حِرصٌ على هداية النَّاس وعلى
نفعِ النَّاسِ، فإن اللهَ يَنفَعُ به وبِعلْمِه وبِعمَلِه وبِمؤلَّفاتِه، كم من
مُؤلَّفاتٍ لم تَنفَع لأن أصحابها لم يُخلِصوا لله عز وجل وإنما أرادوا البُروزَ،
هذه أوراق مَجموعَةٌ لا تَنفع، وتجد مؤلفاتِ المُخلصينَ لها تأثيرٌ ولها قبولٌ
وعليها إقبالٌ، فالنيات لها أثرٌ في المُؤلفات.
نعم هو كَذلكَ رحمه الله كان مُحدِّثًا، وكان عِندهُ محصولٌ عظيمٌ من الأحاديثِ يَحفظُها، فهو يريد أن يَنفَع نَفسَه وينفعَ غَيره بها، وهكذا يَجبُ على العالِمِ أنه لا يَجمَع العِلم في صَدرِه ولا ينفعُ إخوانَه ولا يدعو إلى اللهِ ولا يُرشدُهم، بل العَالِمُ يَبذُل علمَهُ للمُسلِمينَ،
([1]) أخرجه: مسلم رقم (55).