×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

وَبَعْدُ فَإِنِّي سَوْفَ أَنْظِمُ جُمْلَةً *** مِنَ الأَدَبِ المَأثُورِ عَنْ خَيْرِ مُرْشِدِ

*****

كذلك الإخلاص في طلَبِ العِلم، وفي تَعلُّمِ العِلم، بأن يَتعلَّمَ العِلمَ لِوجهِ اللهِ، لا يَتعلَّمُه رِياءً ولا سمعَةً، ولا من أجْلِ طَمعِ الدُّنيا، ولا من أجلِ المَدحِ والثَّناءِ، أو من أجْلِ المَراتِبِ والوظائِفِ، كل هذا يَتنافَى مع الإخْلاصِ.

«وَبَعْدُ»؛ يعني بعد ما قَدَّم هذه المُقدِّمَةَ الجَليلَةَ أتى بِبَعد، وبعْدُ: أصْلُها أمَّا بعدُ، وهي كلمةٌ يُؤتى بها للانتقالِ من أسْلوبٍ إلى أسْلوبٍ، لما أكملَ المُقدِّمَة انتقلَ إلى المَوضوع الذي يُريدُه وهو نَظمُ الآدابِ.

«أَنْظِمُ جُمْلَةً»؛ النَّظمُ غَيرُ النَّثرِ، النَّظمُ: ما كان على رَوِيٍّ وقَافِيةٍ، فهو الكَلامُ المَوزونُ المُقفَّى، وأما النَّثرُ فهو الكلامُ المُرسلُ، فمعنى أنْظِمُ: يعني أجْعَلُ نظمًا ومنظومَةً على رويٍّ وقافِيَةٍ؛ لأن النَّظمَ أخَفُّ على السَّمعِ، وأثبَتُ في الحِفظِ، وأسهلُ على الإنسانِ، وأيضًا يَتلذَّذُ به الإنْسانُ أكثَرَ من النَّثرِ، ولذلك اهتَمَّ العُلماءُ بِنظْمِ المُتون لأجلِ التَّسهيلِ على طلبَةِ العلم ليَحفظوها وتَبقَى في ذاكِرَتِهم، فالنَّظمُ له مَيزَةٌ على غيره.

«مِنَ الأَدَبِ»؛ والأدَبُ: هو كما سَلفَ، استعمالُ ما يَحسُنُ من الأقوالِ والأفعالِ، هذا هو الأدَبُ، والأَدَبُ في الأصْلِ الظَّرافَةُ من القَولِ.


الشرح