وعمَّت الفاسدين،
وكما في قِصَّة أَصْحابِ السَّبْت من بَنِي إِسْرَائِيْلَ أَنَّه لم يَنْجُ من
العذاب إلاَّ الذين أَنْكروا، وأَمَّا الذين لم يُنْكروا فهلكوا مع الذين اصطادوا
في السَّبْتِ، حيثُ سكَت اللهُ عنهم ولم يذكرْهم لا مع النَّاجين ولا مع الهالكين،
والظَّاهر أَنَّهم مع الهالكين؛ لأَنَّهم إِذا لم يكونوا مع النَّاجين فإِنَّهم
يكونون مع الهالكين. فلا شكَّ أَنَّه لا تنجو الأُمَّةُ ولا المُجْتمعُ إلاَّ
بالأَمْر بالمعروف والنَّهْيِ عن المُنْكَر؛ لأَنَّه لا بدَّ أَنْ يُوجدَ في المُجْتمع
سُفهاءُ، ولا بدَّ أن يُوجدَ فيه فَسَقَةٌ ومخالفون؛ فلا بدَّ من الأَخْذِ على
أَيْديهم، وذلك بالأَمْر بالمعروف والنَّهْيِ عن المُنْكَر، ولهذا قال صلى الله
عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ
أَضْعَفُ الإِْيمَانِ» ([1]) فقسَّم النَّاسَ
إِلى ثلاثةِ أَقْسامِ:
القِسْمِ الأَوَّلِ: مَنْ يُنْكِر
باليَدِ وهُمْ أَصْحابُ السُّلْطة فإِنَّهم يُنْكرون باليَدِ ويُزِيلون المُنْكَرَ
باليَدِ.
والقِسْمِ الثَّاني: مَنْ يُنكِر بلسانِه، وهو الذي ليس له سُلْطةٌ، ولكنْ عنده علمٌ ومعرفةٌ فهذا يُنكِر بلسانِه، يَنْهى ويَنْصحُ، ويعِظُ النَّاسَ، ويُبلِّغ المسئولين، ولا يسكت بلْ يُنكِر بلسانِه، بالنَّصيحة بالموعظة، بتبليغ المسئُولين عن المُنْكَرات حتى يأْخذوا على أَيْدي أَصْحابِها، هذا الإِنْكارُ باللِّسان.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (49).