×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

فَقَدْ سَمِعَ المُخْتارُ شِعْرَ صِحَابِهِ *** وتَشْبِيْبِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِيْنِ خُرَّدِ

*****

فكان يستمع إِلى الشِّعْرِ الجيِّدِ، ويقول: «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً» وهو الشِّعْر الذي فيه فائِدةٌ، إِمَّا مِنْ ناحية اللُّغة كالشِّعْرِ الجاهليِّ، الذي فيه ضَبْطُ اللُّغة، أَوْ فيه حِكَمٌ، أَوْ فيه تاريخُ الوقائِع، فهذا لا بأْسَ به، ولا بَأْسَ بأَنْ يكونَ الإِنْسانُ شاعرًا، ولا بَأْسَ أَنْ يُستمعَ، ولا بَأْسَ أن يُحفظَ، فالذي ليس عنده حِفْظٌ مِن الأَشْعارِ الجيِّدةِ، لا يكون عنده قُدْرةٌ ومَلَكَةٌ على الكلام وعلى الشَّواهد وعلى اللُّغة، كان الأَئِمةُ يحفَظون الأَشْعارَ الكثيرةَ، يحفظون عشراتِ الآلافِ مِن الأْبْياتِ مِنْ شِعْرِ العربِ الجيِّدِ.

أَمَّا الشِّعْرُ المُحرَّمُ كالهِجاءِ والمَدْحِ الكاذبِ، هذا لا يستجيدونه، ولا يرغَبون فيه. والشِّعْرُ الماجِنُ الذي فيه الغَزَلُ والمُجُونُ هذا لا يستجيدونه ولا يستمعون إِليه، إِنَّما الغَزَلُ الخفيفُ الذي ليس فيه فِتْنةٌ كان الشُّعراءُ يَبْدَؤُون قصائِدَهم بالتَّغزُّلِ البريءِ، الذي ليس فيه فِتْنةٌ، فهذا شيءٌ يتَّخذونه تحسينًا للشِّعْر أَوْ للقصيدة ثُمَّ يدخلون على الموضوع الذي يريدونه، مثل لاَمِيَةِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ، قد بَدَأَهَا بشيءٍ مِن الغَزَل واسْتمع إِلَيه الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم ؛ لأَنَّه ليس فيه مَحْظُورٌ.

«فقَدْ سَمِعَ المُخْتارُ» نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم «شِعْرَ صِحابِه» يعني الصَّحابةَ كحَسَّانَ بنِ ثَابِتٍ شاعرِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وكَعْبِ بنِ زُهَيْرٍ، وقَيْسِ ابنِ صَرْمَة، وعَبْدِ اللهِ بنِ رَوَاحَةَ، وشُعراء مِن الصَّحابة كثيرين اسْتمعَ إِلَيهمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولكنَّ شِعْرَهم فيه فوائِدُ، فيه تَشْجِيعٌ للمسلمين على الجِهاد، وفيه ذَمٌّ للكفَّار، وفيه حثٌّ على الجِهاد، وعلى نُصْرةِ الإِسْلام، وفيه ردٌّ على الكفَّار كما ردَّ حَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه على شُعراءِ الكفَّار.


الشرح