ولَمْ
يَكُ في عَصْرٍ لِذَلِكَ مُنْكَرٌ *** فكَيْفَ وفيه حِكْمَةٌ فَارْوِ وَانْشِدِ
*****
وقال له صلى الله
عليه وسلم: «أَجِبْ وَرُوحُ الْقُدُسِ مَعَكَ» ([1]) فإذا كان يُستخدم
للدَّعْوة إِلَى اللهِ وردِّ شُبَهِ الكفَّار، فإِنَّه طيِّبٌ ويكون مِن وسائِلِ
الدَّعْوة، وإِلاَّ فإِنَّه يكونُ مِن المُباح الذي لا ذَمَّ فيه.
وقوله: «وتَشْبِيْبِهم»
يعني الغَزَلَ الخفيفَ الذي ليس فيه إِغْراءٌ بالخُرَّدِ يعني بالفَتَيَاتِ
ووَصْفُهنَّ وصفًا يُغْرِي، وإِنَّما هو وَصْفٌ عابرٌ، فهذا لا بَأْسَ به؛ لأَنَّه
مِن مُلَحِ الشِّعْرِ. «مِنْ غيرِ تَعْيِيْنِ خُرَّدِ» يعني ليس فيه تَشْبِيْبٌ،
ليس فيه فِتْنةٌ، وإِنَّما هو غَزَلٌ خفيفٌ.
ولم يكنْ في عَصْرِ
الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم هذا الشِّعْرَ منكرًا، ولمَّا مرَّ عُمَرُ بنُ
الخَطَّابِ على حَسَّانَ وهو يُنشد في المسجد، نظَر إِلَيه نظرةً يستنكر، فقال
حَسَّانُ: «كُنْتُ أُنْشِدُهُ عِنْدَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ» ([2]) يعني رَسُولَ اللهِ
صلى الله عليه وسلم.
«فَارْوِ وانْشِدِ» لا بَأْسَ عليك في ذلك، إِذَا رَوَيْتَهُ وأَلْقَيْتَهُ وأَنْشدْتَهُ فلا حَرَجَ عليك في ذلك؛ لأَنَّ هذا كان معروفًا في عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأَمَّا قولُه تعالى: ﴿وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلۡغَاوُۥنَ﴾ [الشعراء: 224]. فهذا في الشُّعراءِ السَّيِّئِين ولذا قال ﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّهُمۡ فِي كُلِّ وَادٖ يَهِيمُونَ ٢٢٥ وَأَنَّهُمۡ يَقُولُونَ مَا لَا يَفۡعَلُونَ﴾ [الشعراء: 225- 226]، ثُم اسْتثنى سبحانه فقال: ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ﴾ [الشعراء: 227].
([1]) بنحوه أخرجه: البخاري رقم (3212)، ومسلم رقم (2490).