وَهِجْرانُ
مَنْ أَبْدَى المَعاصِيَ سُنَّةٌ *** وَقَدْ قِيلَ: إِنْ يَرْدَعْهُ أَوْجِبْ وَأَكِّدِ
وَقِيلَ:
عَلَى الإِطلاقِ مَا دامَ مُعلِنًا *** وَلاقِهْ بِوَجْهٍ
مُكْفَهِرٍّ مُعَربِدِ
وَيَحْرُمُ
تَجْسِيسٌ عَلَى مُتَسَتِّرٍ *** بِفِسْقٍ ومَاضِي الفِسْقِ إِذَا لَمْ يُجَدِّدِ
*****
وأمَّا أهْلُ
البِدَعِ فإِنَّهُم يُهجَرُونَ؛ لِئَلاَّ تَنتَشِرَ بِدعَتُهُم، ويُؤَثِّرُوا
عَلَى مَن يُجالِسُهُم، ومِن باب أَوْلَى هِجْران أهْلِ الضَّلالِ فِي العَقِيدةِ،
كالجَهمِيَّةِ والمُعتَزِلةِ والخَوارِج والمُرْجِئَة وأَصحَابِ البِدَعِ فِي
العَقِيدةِ، فَهؤُلاءِ يَتعَيَّنُ هَجرُهُم؛ لِيَسلَمَ المُسلمُونَ مِن شَرِّهِمْ،
ويَحذَرُوا مِنهُم. ففِيهِ فَرقٌ بَينَ العاصِي وبَينَ المُبتَدِع وَبيْنَ
الضَّالِّ فِي العَقِيدَةِ.
«مَنْ أَبْدَى» أيْ: مَن أَظْهَرَ
المَعصيَةَ. أمَّا الَّذِي يَعصِي سِرًّا، ولا نَدرِي عنهُ؛ هذا لا نَذهَبُ
نَبحَثُ عَنهُ، ونَتتَبَّعُهُ، ما دامَ أَنَّ أَمْرَهُ خَفِيٌّ؛ فَنحنُ مَا
كُلِّفنا بالتَّجَسُّسِ علَى النَّاسِ، وَإنَّما إذا أَظْهَرَ المَعصِيَةَ.
يَعنِي قِيلَ: إِنَّ
هَجْرَهُ سُنَّةٌ. وقِيلَ: إِنَّهُ واجِبٌ. وقِيلَ بالتَّفصِيلِ: إنْ كانَ هَجرُهُ
يَردَعُه فإنَّهُ يُهْجَرُ، وإلاَّ فَلا. هذا صاحِبُ المَعصيَةِ الَّتِي ليسَتْ
بِدعةً ولا ضَلالاً، وإنَّما هيَ مَعصِيَةٌ بالأفعالِ أو الأقوالِ، فالعاصِي
أخَفُّ مِنَ المُبتَدِعِ.
وَقولُهُ: «وَلاقِهِ
بِوَجْهٍ مُكفَهِرٍّ مُعَرْبِد»: هذا هو الهَجرُ، يعنِي بِوَجهٍ مُقَطَّبٍ، لا
تَنبَسِطْ معه؛ حَتَّى يُحِسَّ بِذَنبِهِ. «مُعَرْبِد»: يعنِي غيْرَ مُنبَسِط؛ مِن
أجلِ أنْ يَرتَدِعَ. ولكِنِ الآنَ النَّاسُ أَكثَرُ ما يَهجُرونَ الَّذِي
يُخالِفُهم فِي أُمُورِ دُنياهُم. وأمَّا الَّذِي يُخالِفُ فِي أُمُورِ الدِّينِ
هذا عِندَهُم سَهلٌ.
المُتَسَتِّر لا
نَبحَثُ عَنْهُ، لا نَذهَبُ نَتجَسَّسُ عليهِ، قالَ سبحانه وتعالى: ﴿وَ لَا تَجَسَّسُواْ﴾ [الحُجُرات: 12]،
يعنِي: لا تَجَسَّسُوا عَلَى المُتسَتِّرِينَ؛ لأنَّنا