ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [لقمان: 14- 15]، وجاءَتْ أُمُّ أَسماءَ بِنْت أَبِي بكرٍ رضي الله عنها، - وهيَ كَافِرَةٌ - جاءَتْ إِلَيْها زائِرَةً لها، وتُريدُ مِنها العَطاءَ، فَسألَتْ أَسماءُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أُمَّها جاءَتْها، وَهِيَ راغِبَةٌ، يَعْنِي راغِبَة فِي العَطاءِ، فقالَ لها صلى الله عليه وسلم: «صِلِي أُمَّكِ» ([1]) فَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَها أَنْ تُدْخِلَ أُمَّها فِي بَيتِها، وَأَنْ تَصِلَها، ولوْ كانَت كافِرَةً. بَل إنَّ الكافِرَ الَّذِي لَم يَحصُلُ مِنهُ أَذَى لِلمُسلمِينَ، وحَصلَ مِنهُ إحسانٌ إِلَى المُسلِمينَ فَإِنَّهُ يُكافَأُ عَلَى إحسانِهِ، ولو كان كافرًا؛ لأنَّ الإسلامَ دِينُ الوَفاءِ، فمَنْ وَفَّى لَنا فإنَّنا نفِي لَه، ولَو كانَ كافِرًا، قالَ تَعالَى: ﴿لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، والقِسط: هو العَدلُ، ﴿إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ﴾ [الممتحنة: 9]، فالإحسانُ يُقابَلُ بالإحسانِ، هلْ جَزاءُ الإِحسانِ إلاَّ الإحسانُ، ولَيْسَ ذلِك مِن قَبِيل المَودَّةِ للكُفَّارِ، بَل هو مِن قَبِيل المُكافَأَة ورَدِّ الجَمِيل لِمَنْ أَحسَنَ. وأمَّا مَسألة المُوالاة فَهِيَ لا تَجوزُ إلاَّ لأهْلِ الإيمانِ. والمُوالاة هي المَحَبَّةُ والمُناصَرةُ لأهْلِ الإيمانِ خَاصَّةً. والبِرُّ بالكافِرِ إذا كان محسنًا إِلَى المُسلِمِ هذا إِنَّما هو عَملٌ دُنيَوِيٌّ، وكذلِكَ البِرُّ بالوالِدِ الكافِرِ، هذا عَملٌ دُنيَوِيٌّ مِن بابِ المُقابَلَةِ والمُكافَأة.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2620)، ومسلم رقم (1003).