×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

وَأَحْسِنْ إِلَى أَصْحَابِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ *** وَنَفِّذْ وَصَايَا مِنْهُ فِي حُسْنِ مَعْهَدِ

وَأَكْرِمْهُ بِاسْتِغْفَارِكَ إِنْ كُنْتَ بَارِرًا *** فَهَذَا بَقَايَا برِّهِ المُتَعَوَّدِ

*****

لمَّا فَرغَ مِن بَيانِ بِرِّ الوالدِ فِي حَياتِهِ، ذَكَرَ أيضًا أنَّهُ يكونُ بِرُّهُ بَعدَ مَوتِهِ، وقدْ جاءَ رَجلٌ يَسألُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا ماتَ أَبوهُ، قالَ: «هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّهِ شَيْءٌ؟» قاَل: «نَعَمْ، تُصَلِّي لَهُ مَعَ صَلاتِكَ، وَتُنْفِذُ وَصَايَاهُ، وَتُحْسِنُ إِلَى أَصْحَابِهِ» ([1]). وكذلِكَ الدُّعاءُ له والاستِغفارُ لَهُ، هذا مِنَ البِرِّ به بَعدَ مَوتِهِ لِقَولِه صلى الله عليه وسلم «أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» ﴿رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ [نوح: 28]، فَيبْقَى مِن بِرِّ الوالدِ بَعدَ مَوتِه، أوَّلاً الدُّعاءُ له، وهُوَ مَعْنَى «تُصَلِّي لَهُ مَعَ صَلاتِكَ» يَعنِي: تَدعُو لَهُ مَعَ دُعائِكَ؛ لأنَّ الصَّلاةَ يُرادُ بها الدُّعاءُ؛ فَتدعُو له مَع نَفسِكَ، هَذِهِ واحِدَةٌ.

الثانية: تُنفِّذُ وَصاياهُ الَّتِي تَتمَشَّى مَع الشَّرْعِ، أَمَّا الوَصايا الباطِلة والجائِرة فَلا.

الثَّالِثة: إذا كانَ عليه دُيونٌ تَقضِيها، هذا مِنَ البِرِّ به.

الرَّابعة: إذا كانَ لَهُ أَصحابٌ يَوَدُّهُم وَيَوَدُّونَهُ فإنَّكَ أيضًا تُحسِنُ إليهِم، وتَصِلُهم بِرًّا بوالدِك.

«وَنَفِّذْ وَصَايَا مِنْهُ فِي حُسْنِ مَعْهَدِ» يعنِي: المُوافَقة للشَّرع، الَّتِي لَيْسَ فِيهِا جَوْرٌ، ولا جَنَفٌ، وليْسَتْ وصايا تَتضَمَّنُ مَعصِيَةً كأنْ يُوصِي للقُبورِ والأضْرِحَة أو يُوصِي لأهلِ الفسادِ وأهْلِ الفِسْقِ، أو فِي مَشارِيعَ مُحَرَّمَةٍ، فلا تُنفِذُ وَصِيَّتَهُ. أمَّا إذا كانَتْ وَصِيَّتُهُ نافِعَة وفِي أُمُورٍ مَشرُوعةٍ، فِيَجِبُ تَنفِيذُها.


الشرح

([1] أخرجه: أبو داود رقم (5142)، وابن ماجة رقم (3664)، وأحمد رقم (16059).