×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

يُنَادِي لِسَانُ الحَالِ جِدُّوا لِتَرْحَلُوا *** عَنِ المَنْزِلِ الغَثِّ الكَثِيرِ التَّنَكُّدِ

أَتَاكَ نَذِيرُ الشَّيبِ بِالسَّقَمِ مُخْبِرًا *** بِأَنَّكَ تَتْلُو القَوْمَ فِي اليَوْمِ أَوْ غَدِ

*****

هذه الآفات والأمْراضِ على عبادِهِ المؤمِنينَ من أجْل أنْ يَضرَّهم بها، وإنما يُجريها من أجل أن يُنبِّهَهم بها، ومِن أجْل أنْ يُكفِّرَ بها عَنهُم سَيئاتِهم، ومن أجل أن يَرفَع بها دَرجاتِهم، رُبَّما يكونُ الإنسانُ لَه مَنزلَة في الجَنَّة، لا يبلغُهَا بِعَملِه، فيُصيبُه الله بهذهِ الأمْراضِ مِن أجْل أنْ يَرفعَ دَرجاتِه حتى يبلغ هذه المَنزلَة، وربَّما لا يزالُ المرض والمصَائِبُ بالمؤمن حتى يَخرجَ من الدُّنيا ولَيس عليه خَطيئةٌ، بخلاف الكافر فإنه يُمسِكُ عَنه حتى يتحملَّ الذُّنوب ويُوافي بها يومَ القِيامَة، وهو مُحمَّل بالذُّنوب، فللهِ سبحانه وتعالى بذلِكَ الحِكمَة، وفيها مَصلحَة للمُسلِمين، وإن كانَ فيها أَلمٌ وفيها مَرضٌ، ولكن المُسلِم يَصبرُ على ذلك؛ لأنَّه من صالِحِه.

مِنْ فَوَائِد الأمراضِ أنَّها تُنذِركَ بالرَّحيلِ من هذه الدُّنيا، وأنكَ لَن تبقى فيها مُنعَّمًا وسالمًا، فهي تُذكِّرك بالمَوت؛ لأجل أن تَستعِدَّ له، فهذا من فوائدِ المَرض والآفاتِ، أنه يُنبِّهك بالمَوت وقُرب الرَّحيل، وأن تَتذكَّر أن هذه الدُّنيا ليست بِدارِ مُقامٍ ولا بدارِ لذَّة وسُرور، وإنما هي دَار ابتلاءٍ وامتِحانٍ، فهذا من فَوائدِ الأمْراض والآفاتِ التي تُصيب المُسلمينَ. أما لو أنهم لم يَمرضُوا ولم يصبْهم شَيءٌ لَغَفوا عن أنْفُسهم، وساموا في هَذهِ الدُّنيا ولم يَنتَبهُوا حتى يُفاجِئَهم المَوتُ وهم على غَفلَةٍ وعلى غِرَّة.

ومن النُّذرِ التي تذَكِّر بالمَوت الشَّيبُ، فإن الشَّيبَ مُنذرٌ بانقِضاءِ العُمرِ، وهو عَلامَةٌ على قُربِ المَوتِ، وجاء في تَفسِير قَولِه 


الشرح