×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

وَكُلُّ بُكَاءٍ لَيْسَ مَعَهُ نِيَاحَةٌ *** وَلاَ نَدْبٌ الآتِي بِهِ غَيْرُ مُعْتَدِ

وَيَحْرُمُ شَقُّ الجَيْبِ وَاللَّطْمُ بَعْدَهُ *** النِّيَاحَةُ مَعَ نَدْبٍ وَأَشْبَاهُهَا اعْدُدِ

*****

في مُؤتَة، وجاء الخَبرُ، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «اصْنَعُوا لآِلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا؛ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ»، فيُصنع طَعامٌ لأِهلِ المَيتِ بِقدرِ حَاجتهم؛ لأنَّهم مُشغَلون بالمُصيبَة، أما أن أهلَ المَيتِ هُم الذين يصنعونَ الطَّعام للنَّاس، ويقدِّمونَ المَوائد، هذا لا أصْلَ له، وهذا فيه تَكاليف، وقد تكونُ هذه التكاليف من تَركَة المَيِّت، ومن مِيراثِ القُصَّر والأيتام، وقد قالَ جَرير بن عبد الله البَجلي رضي الله عنه: «كُنَّا نَعُدُّ الاِجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنعَةَ الطَّعَامِ مِنَ النِّيَاحَةِ» ([1])، فالمُبالَغات في هذه الأمُور، أمرٌ لا يَجوز، وفيه إثقالٌ على أهْلِ المَيتِ، وفيه إنْفاقُ أموالٍ بدونِ دَاعٍ إلى هذا.

البُكاءُ على المَيِّت لا حرجَ فيهِ؛ لأنه لَيسَ باستطَاعَةِ الإنْسانِ أن يَمنَعه، ولأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بكى لما ماتَ ابنُه إبراهِيم، فقال: «الْعَيْن تَدْمَعُ، وَالْقَلْبُ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إلاَّ مَا يُرْضِي الرَّبَّ وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» ([2])، فالبُكاءُ لا إِثمَ فيهِ، بل هو رَحمةٌ للمَيِّت، والإنسانُ لا يَستطيعُ أن يَمنعَ البُكاءَ الذي ليس معه مَحاذِير كما سيأتي، أما إذا كَان مَع البُكاءِ مَحاذِير فإنَّه لا يَجوز.

إذا تَجاوزَ أمرُ البُكاءِ إلى رفْعِ الصَّوتِ بالنِّياحَة، وتِعدادِ مَحاسِن المَيتِ، وإظْهار التَّأسُّف عليه، فهذا نِياحَة، والنِّياحَة كَبيرةٌ من


الشرح

([1] أخرجه: ابن ماجه رقم (1612)، والطبراني في «الكبير» رقم (2279).

([2] أخرجه: البخاري رقم (1303).