فوَاسَاهُ
مِنْ زَادٍ وأَبْدَى بشاشةً *** وأَذْهَبَ عَنْهُ الْقُرَّ تَوْطِيْدُ مَرْقَدِ
فكَمْ
بَيْنَ هذا وامْرِئٍ بَاتَ ضَيْفُهُ *** مُضَاجِعَ جُوْعٍ مُسْهِرٍ
وتَصَرُّدِ
فلا خيرَ
فِيْمَنْ لا يُضيِّفُ هكذا *** رُوِيَ مُسْنَدًا عَنْ خَيْرِ هَادٍ مُحَمَّدِ
أَلاَ قَاتَلَ
اللهُ البَخِيْلَ لضَنِّهِ *** فلِلضَّيْفِ رِزْقٌ وأَصْلٌ لَمْ يُزهَّدِ
وللمسلم
المُجتازِ بالأَخِ في القُرى *** وقِيْلَ ومِصْرٍ والكُفورُ كمُهْتَدِي
*****
فالعَرَبُ يُتمدَّحون
بالضِّيافة وإِكْرامِ الضُّيوف، ويُوقدون النِّيرانَ على الجبال، مِن أَجْل أَنْ
يراها الضَّيْفُ مِن بعيدٍ فيَأْتي، هذا مِن عادات العَرَبِ الكريمةِ في
الجاهليَّةِ، وأَكَّدها الإِسْلامُ، وأَقرَّها وحثَّ عليها.
فلمَّا أَتى الضَّيْفُ
المُضيفَ بَشَّ بِه، واستقبله بالتَّرْحاب، وأدْفأه وعشَّاه، وجعَل له غِطاءً
ومنامًا ينام فيه، هذا مِن أَبْلغ المكارم، وهذا فيه أَجْرٌ عظيمٌ.
الفَرْقُ بين هذا الذي
يُرحِّب ويُدْفِئُ الضَّيْفَ مِن البَرْد، ويُشْبِعُه مِن الجُوع، وبين الآخَرِ
الذي يَبِيْتُ ضَيْفُه جائِعًا مُتأَلِّمًا مِن البَرْد، فهذا مذمومٌ وآثِمٌ
وتاركٌ لواجبٍ عليه، وذاك ممدوحٌ مُثابٌ.
في الحديث: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ». فالذي لا يُكرِم ضَيْفَه لا خيرَ فيه. هذا دعاءٌ عليه، والضَّنُّ: هو البُخْل، ضنَّ بالمال يعني بخِل به ﴿وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ بِضَنِينٖ﴾ [التكوير: 24]، أَيْ ببخيلٍ بلْ يُبلِّغ ما أَوْحى اللهُ إِلَيه، الضَّنين: البخيلُ، وقيل: الضَّنين المُتَّهَمُ. الضِّيافةُ إِنَّما تجِب في القُرى وفي البوادي؛ والكُفور: هي القُرى، فالضَّيْف يُكرَمُ في القُرى وفي الكفور، وفي الفَلَوات والبَراري؛