×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

وكُنْ ذا احْتِياطٍ عنْ شهادةِ فِرْيَةٍ *** تَؤُولُ إِلَى سَخْطِ الْمُهَيْمِنِ في غَدِ

                                               *****

 شهادةَ حقٍّ فقدْ أَحْسَنْتَ إِلَيه؛ لأَنَّك أَبْرَأْتَ ذِمَّتَه مِن حقوقِ النَّاس، ولا تظنَّ أَنَّ الشَّهادةَ على شخصٍ أَنَّها مُضرَّةٌ عليه، أَوْ أَنَّها منقصةٌ في حقِّه، بلْ تكون قدْ أَحْسَنْتَ إِلَيه حيث أَنَّك حَجَزْتَه عنِ الظُّلْم وأَبْرَأْتَ ذِمَّتَه مِن حقوقِ النَّاس، كما أَنَّك رَدَدْتَ إِلَى المظلومِ حقَّه الضَّائِعَ والمُعْتدَى عليه، ففيها إِحْسانٌ للمشهود له، وإِحْسانٌ للمشهود عليه، هذا مِن مصالح الشَّهادة بيْن النَّاس، إِذَا كانتْ شهادةَ حقٍّ، والشَّهادةُ لا بدَّ أَنْ تكونَ عن علمٍ إِمَّا برُؤْيةٍ أَوْ عن اسْتِفاضةٍ، لا تشهدْ إلاَّ عن علمٍ، قال تعالى: ﴿إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ [الزخرف: 86]، يعلمون ما شهدوا به، أَمَّا أَنَّك تشهد على ظنٍّ أَوْ في شكٍّ أَوْ تشهد حَمِيَّةً لقَريبِك أَوْ لصديقِك هذا أَمْرٌ لا يجوز، يَأْتي بيانُ الخَطَر الذي فيه، شهادةُ زُورٍ.

هذا نصيحةٌ للشَّاهد، بأَنَّه لا يشهد إلاَّ على شيءٍ يعلمه، ولا يشهد على شيءٍ يظنُّه أَوْ يتخيَّلُه، أَوْ يشهدُ مِن بابِ الفَزَعَة - كما يقولون -، هذا كلُّه لا يجوز، وهذه شَهادةُ زُورٍ.

وقد قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُزَالُ قَدَمَا شَاهِد الزُّورِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى تَجِبَ لَهُ النَّارُ» ([1])، وَقَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ» إِلَى أَنْ قال، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ وَقَالَ: «أَلاَ وَشَهَادَةُ الزُّورِ» هذا


الشرح

([1] أخرجه: ابن ماجة رقم (2373).