وَتَسْتَغْفِرُ
اللهَ العَظِيمَ بِتَوْبَةٍ *** وَتَرْفَعُ كَفَّ المُسْتَغِيثِ المُجْهَدِ
*****
«وَتَسْتَغْفِرُ اللهَ
العَظِيمَ بِتَوْبَةٍ»؛ لما فرغ من قَتلِ النَّفسِ انتَقَلَ إلى التوبَةِ إلى
الله، لما ذَكرَ الذُّنوبَ في الأبواب الماضِيَةِ ذكر التَّوبَةَ، وأن الإنسانَ لا
يَقنطُ من رحمة اللهِ، ولا يقول إِنَّني أكْثرْتُ من الذُّنوبِ والمعاصي ولن يغفر
الله لي. هذا أشَدُّ من الذَّنبِ، قال تعالى: ﴿إِنَّهُۥ لَا يَاْيَۡٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ
ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾ [يوسف: 87]، وهذا أيضًا ضلالٌ: ﴿قَالَ وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ﴾ [الحجر: 56]، فمهما
فعل العبد من الذُّنوبِ والمعاصي والكُفرِ والشِّركِ، إذا تابَ إلى اللهِ تابَ
اللهُ عليه، ولا يقنَطُ ويقول: ما لي تَوبةٌ. لا أحد يقول: ما لكَ تَوبةٌ أبدًا،
مَن الذي يقول: ما لك توبة واللهُ جل وعلا يقول: ﴿قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا
تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ﴾ [الزمر: 53].
وقد أخبَرَ
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه كان فِيمن كانَ قَبلنا رَجلٌ قتلَ تِسعًا
وتِسعينَ نَفسًا عدوانًا وظلمًا، ثم إنه خَافَ وأراد أن يتُوبَ، ولكن لا يَدري
ماذا يعملُ، فذهب يسألُ، فوافَقَ عابدًا من العُبَّاد جاهلاً ليس عِنده عِلمٌ ولكن
عنده عبادةٌ، وعنده خوفٌ من اللهِ، فسأله فقال: إنه قتل تِسعًا وتسعين نفسًا، هل
له من تَوبَةٍ؟ قال: لا، لَيسَ لك توبَةٌ، فقتله وكمَّل به المائَة؛ لأنه لما قال
له ليس لك تَوبةٌ. غضب عليه فقتله لأنه تعَوَّد على سفك الدماء.
ثم سأل عن عالمٍ
يُفتيه فدَلُّوه على عالم، فقال: إنه قتلَ مائة نَفسٍ هل له من توبةٍ؟ قال العالم:
نَعم، ومَن يَحول بينك وبين التَّوبةِ؟ ولكنك بأرضِ سُوء، فاذهب إلى أرْضِ كذا
وكذا؛ فإنَّ فيها أناسًا صالحينَ يَعبُدون الله فاعبُدِ الله معهم.