×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

فتاب الرَّجلُ وخرج مهاجرًا، وفي الطَّريقِ جَاءهُ مَلَكُ الموتِ وقَبضَ رُوحَه، فاختصمت فيه مَلائِكَة الرَّحمَة وملائِكَةُ العذابِ، ملائكة الرحْمَة يقولون: إنَّه جاءَ تَائبًا. وملائكة العَذابِ يقولون: إنه لم يَعملْ خيرًا قط.

فأرسل الله ملكًا يحكمُ بَينهم، فقال الملك الحكم: قِيسُوا ما بين البلدَتين. فقاسُوا فوجدوه أقربُ إلى البَلدَة الصالحَةِ بِشبرٍ، فقبَضَتْهُ ملائكةُ الرَّحمة، ودخل برَحمَةِ الله عز وجل وتاب الله عليه ([1]).

فهذا فيه دليلٌ على قَبول التوبَةِ من كُلِّ مُذنِبٍ، ولو كان قد قَتلَ النُّفوسَ، وأشركَ باللهِ ولو كفر فَالتَّوبةُ تَجُبُّ ما قبلها، قال تعالى: ﴿قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَنتَهُواْ يُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ [الأنفال: 38]، فالذي يُقنِّطُ النَّاس من رحمة الله، ويقول لبعْضِ العُصاةِ: ما لك توبةٌ، فهذا والعياذ بالله يَكونُ متعرِّضًا للوَعيدِ؛ لأنَّ الله تعالى قال: ﴿قَالَ وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ[الحجر: 56]، ولما قالَ رَجلٌ من بَنِي إسرَائيلَ لآخَر، لمَّا رآه يُكثرُ من الذُّنوبِ، قال: واللهِ لا يغْفِرُ الله لفُلان. فقال الله جل وعلا: «مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ -أَيْ: يحلف عليَّ- أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ، إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» ([2]).

فالله جل وعلا يقبَلُ التَّوبَةَ عن عِبادِه: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَعۡفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِ وَيَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ[الشورى: 25]، فلا أحدَ يَقنَطُ من رحمة الله، مهما بَلغَ مِن الكُفرِ والشِّركِ والذُّنوبِ، ولكن لا يَبقى على ذُنوبِه، بل


الشرح

([1] أخرجه: البخاري رقم (3470).

([2] أخرجه: مسلم رقم (2621).